السبت، 6 أبريل 2013

هل يمكن إسقاط حكم الإخوان؟





اﻷخوان يحكمون مصر، أو هكذا شبه لهم ولنا، أو هكذا يقولون، لكنهم يبدون في وضع لا يحسدون عليه، في الحقيقة وضعا يبدو ميؤسا منه، فمنذ 20 يناير الماضي يبدو أن الأرض تتزلزل تحت أقدامهم، ويتكالب عليهم الناس يكادوا يتخطفونهم، إشتباكات وصدامات شبه يومية إستمرت لأسابيع في عدة محافظات ومدن، بعضها لم يكن له أي تاريخ في العنف الثوري تفجرت براكين غضب بدا أن لا نهاية لحريقها، مظاهرات غاضبة وصدامات وصلت حتى بوابات القصر الجمهوري الذي فقد نهائيا تراكم عقود من الهيبه في ساعات قليله، حرق متكرر لمقرات الحزب الحاكم المعبر عن الجماعه، وصولا لمهاجمة مقرها الرئيس نفسه بالمقطم، مدنا تعلن العصيان وأخرى تهدد به، الجيش يبدي أمتعاضه ويعبس عبوس الليث المستثار، بينما تتعالى اﻷصوات تدعوه لإسقاط حكم الإخوان بانقلاب عسكري، هكذا مباشرة ودون أي مواربه، كأنما اﻷرض تتفجر تحت أقدام الإخوان الذين يبدو أنهم لا يكادون يمسكون بزمام شىء في مصر كلها، لكن...حكم الإخوان لا يسقط، ويبقى مرسيهم رئيسا، ويبقى غلامهم قنديل رئيسا للحكومه، حكمهم صامد ونظامهم باق، فأي معجزة تبقي نظامهم في موقعه رغم أسابيع من الإنتفاض وقد سقط الحزب الوطني بعد 18 يوما فقط ؟؟

تحالف إقطاعي لا دولة موحدة

أولا علينا أن نرى أي دولة استلمها الإخوان من نظام مبارك، مبارك لم يكن يحكم دولة بالمفهوم الحديث، بل كان يحكم ائتلافا أو تحالفا مرنا ما بين أصحاب حل وعقد، فيما يشبه دولة إقطاعيه، يسيطر فيها كل سيد على إقطاعيته، يفعل بها ما يشاء طالما أنه يلتزم تجاه السيد الكبير أو الملك (أو الرئيس في حالتنا) بدفع ما عليه من ضرائب وتقديم الولاء المطلق والحفاظ على استقرار الوضع العام، وما عدا ذلك فهو مطلق اليد في إقطاعيته يفعل بها كيفما شاء، طبعا تتفاوت الإقطاعيات في القوة والحجم والنفوذ، فإقطاعية الجيش بقيادة تحالف جنرالات البيزنس ليست كإقطاعية الثقافه لسيدها فاروق حسني..إلخ، لكن القانون يسري على الكل: نصيب الرئيس من المال، الولاء، الأستقرار.

تلك هي طبيعة الدولة التي من المفترض أن الإخوان قد ورثوها عن مبارك، تحالف إقطاعي بين إقطاعيات وإن سقط سادة بعضها إلا أن رجال السيد ما زالوا باقين يحرسون القلاع، على الاخوان أن يحاربونهم ويسقطوهم جميعا، أو أن ينجحوا في عقد اتفاق تحالف جديد ليحل مرسيهم محل السيد المعزول.
مشاركون لا مغالبون

باختصار الإخوان ليسوا ثوريين ولا إنقلابيين ولا جذريين، فمنذ تأسيس الجماعة على يد حسن البنا كانت دائما في طاعة ولي اﻷمر، حريصة كل الحرص على أعلى مستوى ممكن من العلاقات الودية مع النظام الحاكم حتى لو كلفها اﻷمر الوقوف مباشرة في وجه الشعب والخروج على حركته الوطنيه، بل وخيانتها خيانة مباشره، فقد دعم اﻷخوان تحت قيادة البنا المباشرة العرش الملكي دعما مطلقا، وحرصوا دائما على أن يحوزوا رضى وقبول الحكومات حتى حكومة طاغية دموي كإسماعيل صدقي باشا، وحتى حين أفلت زمام التنظيم السري الإخواني فلجأ لسلاح الإرهاب والتفجيرات، أسرع البنا لنشر مقاله الشهير بعنوان : ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين متنصلا من أكثر شباب جماعته حماسة ونشاطا، ولم نذهب للتاريخ البعيد؟ إن لنا في مهادنة الإخوان لنظام مبارك دليل واضح وصريح على وفاء الإخوان لمبدئهم القديم (مشاركة لا مغالبه) هم لا يريدون ولا يتخيلون الخروج على ولي اﻷمر أو انتزاع السلطة منه، كل ما يرجونه هو قطعة من الكعكه، نصيب بالتراضي من السلطة يدفعون مقابله كل قدرتهم على الدعم وتخريب المعارضه واستغفال الجماهير لصالح النظام، هم لم يتوقفوا أبدا عن التفاوض والفصال ومحاولة المشاركة بنصيب في كعكة السلطه لا الإستيلاء عليها كلها، نعم هم مشاركون لا مغالبون، وهم لا يريدون ولا يرغبون حتى في إزاحة دولة مبارك- ولا يستطيعون في الحقيقه- كل ما يريدونه هو نصيب من كعكة السلطه أكثر قليلا مما كان يسمح لهم به مبارك، والحقيقه إن لا تناقض جوهري ولا حتى ثانوي بينهم وبين دولة مبارك، فهم كذلك جزء أساسي من الرأسمالية العشوائية التابعه التي تتغذى على الفساد وتسمن عليه، هم كذلك يؤمنون بالنيو ليبراليه وبالإقتصاد الحر، وبتحميل الطبقات اﻷفقر العبء الإقتصادي اﻷثقل، هم جزء من النظام، وأعضاء بالنادي، هم مشاركون لا مغالبون، قد يلعب بهم أحيانا شيطان غرورهم فيتخيلون القدرة على الإستحواذ التام أو التسلط الكلي، إلا أن القليل من الزجر كفيل بعودتهم لرشدهم وضمان التزامهم بالطريق القويم.

لذلك لم تسقط كل تلك التمردات نظام الإخوان، ﻷنهم أكثر مرونة من أن تسقطهم، هم قبلوا وسيقبلون تآكل سلطتهم وانحسارها وتسليمها لأجنحة دولة مبارك الراسخة كالطود، سيسلمون للعسكر بكل ما يشاءون من نفوذ واستفراد بالثروة الإقتصادية للمؤسسة العسكريه مقابل أن يعترف العسكر بشرعيتهم، سيسلمون للداخلية بكل ما تشاء حتى الحق في الفوضى والإضراب والتمرد طالما أن الداخليه توجه ضرباتها ضد المتظاهرين، كل ما يريد الإخوان هو نصيب من السلطه ونصيب من الثروه، ومقابله فهم مستعدون لقبول نصيب محدود من السلطة لا كل السلطه، أما عن المسيرات والإنتفاضات، فالإخوان يعلمون أن المصريون يفرطون في السباب ويبخلون في اللكمات، والدليل أن صدام المقطم الذي توقع الكثيرون – ومنهم الكاتب- ان يفجر حربا اهليه إنتهى ببضع عشرات من المصابين بلا إصابة واحدة خطيره، ونسي الموضوع ومر، وعصيان بورسعيد تحلل تلقائيا في حضن الجيش المتواطىء بمكر وخبث، وانتفاضات المحافظات تبقى مسيطر عليها بآلة الداخليه القامعه الراغبة في ترميم كرامتها المهدره وآلة الحركات السياسية العميلة مدعية الثوريه، وزعيم المعارضة وضمير الثوره (البرادعي) لا يكاد يكف عن التأكيد على أن لا تحدي لشرعية رئاسة مرسي، واﻷحزاب السياسية الورقيه تحلم بميعاد الإنتخابات البرلمانية التي تبدو بعيدة المنال.

اﻷمر ليس بهذه الخطورة إذا، إستطاع النظام إمتصاص موجات الغضب والتأقلم معها، سيتنازل مرات عديده ويتراجع مرات عديده، سيقدم الأضاحي والقرابين للجميع مقابل أن يبقى الكرسي.

لذلك لن يسقط نظام الإخوان كما لا يمكن لمطرقة أن تحطم قطعة من اﻷسفنج.