الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

خطابات مفتوحه لصديقي الاخواني، الخطاب الثاني

عزيزي الاخوانجي
تحية طيبة وبعد/
اتمنى الا اكون مثقلا عليك بخطاباتي هذه، وأتعشم أن لا تجد مربكةن فالحقيقة انني اكتب عفو الخاطر وأترك لذهني العنان، دون تريب أو تخطيط مسبقين، عن ماذا سأكلمك عن هذه المره؟
عن محمد مرسي، او بالاحرى عن سقوط محمد مرسي

لنبدأ من البداية الاولى، منذ أعلن المرشد محمد بديع أن الاخوان لن يقدموا مرشحا للرئاسه، وعلى عكس ما يقول البعض فلا اظنه كان يناور أو يخادع، بل صدق الرجل، فلم يكن لديكم مرشحا للرئاسه، ولم تكونوا مستعدين لذلك، وهو ما يجعلني أتسائل : ما الذي تغير حتى تقررون فجأة ان تنخرطوا في اﻷنتخابات الرئاسيه؟ وهو لغز من بين الغاز عده، الحقيقه انني طوال الوقت سأكون كالتائه وسط متاهة أسطورية من الغموض والاحاجي والألغاز الغامضه، اقصد طوال وقت تحدثي معك عن موضوع الرئاسه.
أين كنا؟، نعم، لم يكن لديكم مرشح للرئاسه
وفجأة أعلنتم عن ترشح خيرت الشاطر، يا عزيزي خيرت الشاطر لم يكن يصلح مطلقا مرشحا للرئاسه، أنا لا اقارنه ببقية المرشحين فكلهم بلا أستثناء لم يكن يصلح لرئاسة ساحة شعبيه ريفيه، حتى برادعيهم الذي نكص عن الترشح، انا لا أطعن في شخصية خيرت الشاطر، من وجهة نظرك هو كادر وقيادة ومناضل ونائب للمرشد، تعرفه جيدا وتألفه وتتضامن معه- أفترض ذلك طبعا- لكني أصدقك القول أني لا أذكر أني سمعت صوته أبدا، ولا أذكر أنني رأيت له تسجيل فيديو حتى، وأعترف ان صورته تختلط في ذهني بصورة أحد انسبائي الذي يشبهه كثيرا- وهو أخواني الهوى كذلك- خيرت كان بالنسبة للناس شخصية غامضه، مجهوله، لا يعرفون عنه شيئا، لغز ملفوف في الغموض مخبأ في اللامعرفه، قارنه بكثافة ظهور مرشحين الرئاسة جميعا على الفضائيات ليلا ونهارا، أحاديثهم- وكلها لغو- إلحاحهم على التعريف بأنفسهم، حتى شخصيه قراقوزيه مسطحة تافهه ومشبوهه كابو إسماعيل لم يخلق أسطورته إلا كثافة ظهوره على الفضائيات حتى الفه الناس ثم ملوه ومجوه، لكن خيرتك يا عزيزي بقي مجهولا، غامضا، وهو أختياره الذي لا الومه عليه، لكنه اختيار لا يصلح لمرشح للرئاسه أبدا، وكما قيل قديما الناس أعداء ما يجهلون، وغموض خيرت سهل مهمة شيطنته وتحويله للبعبع الذي يزحف في الظلام عشان يطلع لنا على غفله يخضنا، والحقيقه كان كثير على الناس ان تطلبوا منهم انتخاب مرشح الاخوان لمجرد أنه مرشح الاخوان، حتى لو كان شخصية مجهوله غامضه، لماذا تم اختيار خيرت؟ ذلك لغز أخر في غابة الالغاز التي أحكي لك عنها في هذا الخطاب.



وإليك لغز أخر، رفض ترشح خيرت الشاطر بسبب الحظر السياسي عليه، الم تكن تعلم ذلك؟ أم أن العسكر وعدوا بإسقاط الحظر ثم أخلفوا، أم كانوا سيسقطونه وتدخلت جهة ما لمنعهم؟؟ لا ادرى حقيقة، هنا يزداد الغموض وتتلاشى الاضواء وتتعاظم الظلال، وانا أدخل غابة الغموض المسحوره، كان البديل هو (محمد مرسي)، مين محمد مرسي؟ كان هذا أنطباعي الأول حين سمعت بترشيحه، شخص أخر مجهول لنا ومعلوم لك تأتي به من غياهب اللامعرفه لتقدمه كمرشح للرئاسه، والله حرام بجد، ما ينفعش ، المجهول البديل محمد مرسي، مرة أخرى خطأ تكتيكي.


جملة أعتراضيه: أعتدت دائما ان أصف الاخوان بأنهم عباقرة تكتيك لكنهم غائبون استراتيجيا، انتم تجيدون الخطوات لكنكم تسيئون تحديد الهدف النهائي.

 كان محمد مرسي خطأ تكتيكي كبير، المجهول الباهت- بالنسبة لنا- الذي يأتي كبديل للقيادي اللامع، كان من السهل دمغه بأنه (الأستبن) وهو توصيف لم يكن بعيدا جدا عن الحقيقه، فهو البديل، ولترميم ثلمة أنه (احتياطي) وليس اساسي، اخترعت مشروع النهضه، الذي كان كالجن والعفاريت نسمع عنه وعن أسطوريته ولا نراه ولا يمكننا لمسه أو شمه أو تذوقه، ليصبح مرسي حاملا لمشروع، إنه ليس إنسانا وليس مرشحا، إنه مجرد (حامل) لمشروع، ألم تكن تروج له هكذا؟ لماذا تنتخب شخص بينما يمكنك أن تنتخب مشروعا؟ هذه مصر يا عزيزي وليست جمهورية الفلاسفه والمفكرين لو لم تكن تعلم، الناس ينتخبون أشخاصا في مصر لا برامج لأنهم لم يعتادوا البرامج ولا يصدقونها وﻷن أغلبهم لا يفقهها ولا يفهمها،

الحقيقه ان مرسي كان بطة عرجاء منذ ترشحه، وكل محاولاتك التجميليه لم تنج في تحويله لنسر كاسر ولا حتى طاووس مختال، نعود للمشكلة الاصليه يا عزيزي، انه لم يكن لديك مرشح للرئاسه، وانك أضطررت بالبلدي (تلكلك) مرشح وحمله أنتخابيه.

الحق أقول لك وبكل صراحه، لو نجح أحمد شفيق لكان افضل لك، كانت المشاكل الاقتصاديه التي حطمت مرسي ستسقط على رأسه هو، مع شارع ثائر رافض له سيشتبك بكل عنف وعدوانيه مع الفلول والنظام حين يدافعون عنه، وستكون أنت الفيل الذي يقود قطيع الظباء، كنت ستصبح علامة الثوره ورايتها شئنا أم ابينا، والصراع سيمنحك الوقت لبلورة مرشح ذو جماهيرية ستقدمه بأعتباره الثوري الجسور الذي خاض الصراع ضد المرشح الفلول، لم يكن شفق ليصمد أطول مما صمد مرسي، ووقتها كنت ستصل للحكم بأعتبارك قائد الثوره لا متأمر مع العسكر
( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم) صدق الله العظيم.

لكن قدر الله وما شاء فعل، ونجح محمد مرسي، وسأتجاوز هنا عن الملابسات والشكوك حول نجاحه، فتلك بقعة شديدة دكنة الظلام لا أمن التوغل فيها بما قد يقبع بداخلها من مخاطر وأفخاخ، وقانا الله واياك.

وإلى خطاب ثالث أصارحك فيه برايي في رئاسة مرسي ومن أسقطه وأحاول الإجابه على سؤال: كيف تلاشت شعبيتكم وولدت مكانها كل هذه الكراهيه.
فإلى لقاء
تحياتي ومحبتي

الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

خطابات مفتوحه لصديقي الاخواني، الخطاب اﻷول.

عزيزي الاخوانجي، اسمح لي - بعد أذنك- ان يكون خطابي إليك مفتوحا وليس شخصيا، ع اﻷقل ﻷنه يتعلق بشأن عام وليس شخصيا.

أولا أسمح لي بأيضاح نقطة مهمه، نحن الاناركيين لسنا سذجا ولا قليلي الخبره، ولسنا بالتأكيد كتاكيت اليسار البرجوازي الذين فرحوا بقبلات وتشجيع السلفيين والاخوان حين نزلوا معكم في التحرير قبل غعلان نتيجة إنتخابات الرئاسه دعما لمرسي - نحن قاطعنا تلك الانتخابات كلية وأعتبرنا المشاركه فيها خيانه للثوره لو لم يصلك موقفنا- ، كما أنني أؤكد لك أنه رغم إدراكنا العميق للمصير الأسود الذي وجهه الشيوعيين الأيرانيين بعد تحالفهم مع نظام الخوميني الديني من تنكيل وإباده، إلا ان هذا التاريخ ليس ما يحدد وجهة نظرنا، فنحن نعلم ان الاخوان المسلمين ليسوا تنظيم الخوميني، ونحن على كل حال لسنا حزب توده الشيوعي، الحقيقه والواقع انني لن الومك نهائيا على البلاغ المقدم في أنا شخصيا للنيابه في أواخر 2011، كما لن الومك على مانشيت الحريه والعداله في يناير 2012 عن الاناركيين الذين يريدون إحراق البلد، ففي المواقف السياسيه لا يوجد لوم، ففي النهايه أنت كيمين راسمالي رجعي سلطوي تمثل كل ما أناضل ضده وأعتبره معاديا، وأنا كشيوعي لا سلطوي ضد الرأسمالية وضد الدوله أمثل كل ما تكرهه وتعاديه أنت، تلك مواقف سياسية وايدولوجيه قائمه ومستقره ونهائيه، وكل ما فعلته ضدي مبرر، وكل ما فعلته ضدك كان واجبي.

أزيدك من الشعر بيتا وأقول أنني لا اشارك من يقولون بخيانة الاخوان للثوره موقفهم، بل والومهم عليه، فالخيانه لا تكون إلا لشىء أنت منتم إليه، وأنتم لم تكونوا منتمين للثورة إلا ككتلة ضخمه كان من المستحيل تفاديها أو الخلاص منها، كما من المستحيل الخلاص من الفيل الذي يحشر نفسه وسط قطيع الظباء، ستستمر الظباء في الركض محاولة الا يدهسها الفيل الذي يركض وسطها ﻷسبابه المختلفه ومساره المغاير، وأنا لا ألومك الحقيقه ولا الوم الاخوان على إجتماعهم بعمر سليمان، ولا على منع إنفجار الميدان بعد أنتهاء موقعة الجمل، ففي النهايه كان الاخوان جزءا أصيلا واساسيا من النظام لسنوات طويله، ولهم معه تفاهمات وتحالفات وخلافات وصدامات، كما كان بين كل أجنحة النظام حتى أكثرها أنتماءا للحزب الوطني- ولا تخفى على فطنتك السياسيه المعركه الضاريه بين مجموعة مبارك وبين الحرس القديم- إذا كان للأخوان يحافظوا على مصالحهم ومكتسباتهم السياسيه والأقتصاديه ويحاولون إستغلال الموقف ليحوزوا الكم الاكبر من المكاسب ، وغلا فهم ليسوا تنظيما سياسيا على الإطلاق، أنت لم تخن الثوره، ﻷنك لم تكن معها، ع الأقل لم تكن مع الثورة التي شاركت أنا فيها ودفعت من أجلها، كما لن الومك على ايا ما فعلته فيما تلى ذلك، ﻷنك ببساطة كنت تدافع عن مصالحك وتفاهماتك وتحالفاتك، وفرصتك التاريخيه الأسطوريه في تولي السلطه أخيرا إلى جانب جنرالات طنطاوي المتهالكين.

يتهمونك أنك (إقصائي)؟ وهذه تهمة مضحكة أخرى لا أتفق معها، بل واسخر من السذج الذين يرددونها كالببغاوات، لست أقصائيا يا عزيزي بل مجرد مفاوض ومناور عدواني، وذلك مفهوم غير معترف به غالبا وسط الهواه الذين يتعاطون السياسه بمصر، فلست مدانا ﻷن من حالفوك سذج بلهاء يمارسون السياسه بمنطق قعدة العرب وكلام الرجاله عقد، ففي السياسه السلطويه لا توجد تلك الاخلاق المسطحه ولا المفاهيم الساذجه، ثم انهم - ولبلاهتهم- قللوا من ذكائك وإدراكك انهم حفنة من التافهين الإنتهازيين القابلين للإستخدام المؤقتن وانهم فعلا بلا حول ولا قوه، وان قدرتهم محدودة جدا على تغيير مسار المعادله، التي كنت أنت قد ضمنتها فعلا بتفاهماتك مع القوه الأساسيه المتحكمه والتي يرجو الجميع رضاها ويهابون غضبها- الجميع عدا حفنة من الثوريين الحقيقيين- ألا وهي المؤسسه العسكريه، أجزم أن من يتهمونك بالإقصائيه لو كانوا أقوياء فعلا ولهم ثقل بالشارع ما خسروا التحالف معك، لكنهم كانوا كالمقامر الذي لا يمتلك اي أوراق فائزه، هو مجرد (كمالة عدد) على الطاوله لكي ينعم اللاعبين الرئيسيين بلعبتهم، أنت لست أقصائيا يا عزيزي، وتلك ليست تهمه، بل ميزة أتباهى بها، أنا أقصائي ﻷنني أشتراكي تحرري لا اؤمن سوى بالثوره كطريق للتغيير، والثورة فعلا إقصائي بطبيعتها وفي صلب تكوينها، اما أنت يا صديقي فإصلاحي تفضل التفاوض على الصدام والحلول الوسط على المواقف المطلقه، وليس ذنبك أنك بطل الجمهوريه في الملاكمه وأشترك في اللعب ضدك حفنة من المقيمين بمستشفى المعموره للأمراض الصدريه.

لكن هنا يا عزيزي يظهر خطأ أستراتيجي فادح ارتكبته أنت وقد خانك ذكائك وحذرك، فقد تخليت عن كل هؤلاء الكسيحين ظنا منك أنك لم تعد تحتاجهم بعد أن أصبح لك حكم مصر وتحت قدميك كنوز الفراعنه :-) ، لكنك نسيت أن تلك الحفنه من الكسيحين هي بمثابة بهارات الشرعيه على اي تحرك سياسي، أصبحت انت طعاما بلا نكهه، وهم أضيفوا على طبخة الفلول العفنة المكونات فمنحوها الطعم والرائجه، كما تمنح البهارات الرائحة الجذابة للقمامه التي يبيعونها على عربات الكبده بالشوارع الخلفيه لمحطة مصر ، تلك اﻷقليه الكسيحه التي تركتها في العراء، تبناها الفلول بسهوله، وبسببهم أستقطبوا أغلبية (الثوريين) الذين يفتقدون كلية لأي وعي سياسي ولا يمتلكون سوى حماسة فطريه وعاطفة مشبوبه، هم لم يشيطنوك يا عزيزي، أنت من شيطنت نفسك، أنت من فرحت بموقعك ما بين الجندي والشرطي، ونسيت أنك حين تقف وسطهم لا تصبح مثلهم، بل تصبح اسوأ، تصبح الغراب الذي قلد مشية الطاووس، فلا العسكر قبلوك ولا الشارع الثوري بقى في صفك، بل أرتكبت خطيئة تكتيكية أخرى بمحاولاتك الظهور بمظهر الشريك الشرس للعسكر والداخليه، ما ينفعش يا صاحبي، يا تتواطأ مطلقا يا تصطدم مطلقا، الهزار مع التمساح أخرته معدته ، ودول عيال قتالين قتله بتغز مش بتشرط .

عموما لقد افرطت في طول هذا الخطاب ، وافرطت في الحديث فيه عنك، وهو ما يحتمه أدب المخاطبه، أن أبدأ بالكلام عن المرسل إليه، وفي خطابي التالي أسمح لي أن أتكلم أكثر عن نفسي وموقفي أنا

تحياتي ومحبتي.



الإنقلاب الذي لم يكن يجب أن يحدث

ينشر هذا المقال مترجما إلى الفرنسيه في مجلة البديل التحرري الأناركيه الفرنسيه



يبدو أن الكتابة عن ما يحدث في مصر تصبح أصعب وأصعب كل مره، ومحاولة توقع مسار للأحداث أو تطور للعناصر المتفاعله شىء أقرب لتنبؤات السحره حول كراتهم البلوريه، فهذه ليست دولة عميقه، بل بئر مظلم بلا قرار مملوء بماء داكن ووحل أسود، تصطرع في أعماقه كائنات سياسيه منقرضه أو ممسوخه، ربما نسينا في خضم تطلعنا للضوء القادم من بعيد أنها ما تزال تعيش وسطنا وتحت أقدامنا، لأننا في الحقيقه عالم ثالث ودولة ناميه وجمهورية موز أخرى تقع شمال شرق افريقيا،
يشبه الأمر مشهدا من فيلم خيال علمي حين تنظر لحدث ما في الماضي القريب ، وتقول أنه ما كان يجب أن يحدث، بكل تحليل منطقي عقلاني ما كان يجب أن يحدث،
من كان يتوقع مظاهرات 30 يونيو والإنقلاب العسكري الذي لحقها؟
لا أحد
فمنذ أغسطس 2012 وقوى النظام المباركي تخوض كل شهرين تقريبا نفس المغامره بنفس الخطه التي يعلنونها بكل صراحة ووضوح: (لو نزلنا بأكبر عدد ممكن وبقينا في الشارع لأطول وقت ممكن وخلقنا أكبر قدر ممكن من الفوضى الضاغطه فإن الجيش سيكون مضطرا للإنقالب على مرسي وحكم الاخوان)، بل أن بعضهم كان يحدد عددا كحد أدنى ومدة زمنية لن يتحرك الجيش لاقل منهما، وكل مرة كانت تنتهي المغامرة بنفس النتيجه، مظاهرات، قليل من العنف، ثم اللاشىء، فالمؤسسة العسكريةلا تراهم ولا تسمعهم، وهي تحقق مكسبا سياسيا أو اقتصاديا جديدا بعد كل (نوبة) تظاهر من تلك النوبات الفلوليه
فلماذا أختلفت 30 يونيو؟
منذ يناير الماضي كانت جدران المباني بالميادين الرئيسيه تتغطى بأعلانات تقول: أنزل ساند جيشك، أنقذ مصر، وكانت توزع الألاف من تلك الإعلانات في لقاءات جماهيرية تدعو لها وتنظمها مجموعات نعلم أن مؤسسيها شديدي القرب من الأجهزه الأمنيه، وكانت تتعاون معها عدد من الأحزاب السياسيه الليبراليه في تلك اللقاءات، لكن الجيش لم يتحرك رغم ذلك، فلماذا نجحت حركة (تمرد) المجهولة الأصل – والمدعومة أمنيا على حسب رصدنا لها- فيما فشلت فيه حركات أطول عمرا واكثر إحترافا؟
مبدئيا لا أعتقد أن عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحه كان يرغب فعلا في الإنقلاب
على نظام الإخوان، مبدئيا ﻷنه إسلامي الهوى والتوجه على حسب مقال مجلة foreign affairs
الأمريكيه بعددها الإلكتروني في 28 يوليو 2013 في تحليل لورقته البحثيه أثناء دراسته بكلية الحرب بالولايات المتحدة خلال عام 2006  http://www.foreignaffairs.com/articles/139605/robert-springborg/sisis-islamist-agenda-for-egypt
وهو ما تكرر بعدد من المقالات التحليليه واللقاءات مع المشرفين على دراساته في نفس الفتره، وحتى القوى الإعلاميه لما يسمى (الفلول) كانت تقصفه لشهور بمدفعيتها الإعلامية الثقيله منذ تعيينه وزيرا للدفاع في أغسطس 2012 متهمة أياه بأنه أخواني الميول والهوى ، وأن بعض أقربائه شخصيات قيادية قديمة بالأخوان المسلمين، وحتى يناير الماضي كانت الهمسات والتلميحات أن الأمل في رئيس الأركان (صدقي صبحي) لقيادة ذلك الإنقلاب على مرسي وليس السيسي
، كما أن الجيش لم يكن يمتلك اي مصلحه في الإنقلاب، فهو يحصل على مكاسب أقتصادية وسياسيه لم يكن يحلم بها ايام مبارك حتى بسبب ضعف مرسي وهشاشة نظامه ورغبته في إسترضاء المؤسسه العسكريه بأي ثمن.
لكن قوى أخرى كانت تعمل لتجبر الجيش على الخروج عن صمته وتجاهله للتحريض على الإنقلاب رغم وصول اﻷمر لحملة تحرير توكيلات رسميه للفريق السيسي لإدارة شئون البلاد في مارس الماضي- نرصد هنا طريقة تفكير البرجوازيه المصريه: تحرير توكيلات حكوميه رسميه لتوكيل قائد الجيش بالقيام بإنقلاب عسكري- تلك القوى كانت الجهاز البيروقراطي للدولة المصرية، والذي حسم أمره وقرر أنحيازه ضد الاخوان في الصراع المفتوح ما بينهم وبين النظام المباركي، فضربت البلاد موجة تلو اﻷخرى من أزمات غير مبرره ، بداية من تعميق أزمة انابيب الغاز - الموروثة من مبارك- وصولا لنقص حاد في الوقود، وأنقطاع يومي متكرر للتيار الكهربائي- ملحوظه وزيري الكهرباء والبترول بحكومة مرسي بقيا في حكومة الإنقلاب-، بينما كانت المحاكم لا تكاد تعمل حتى تعود للإضراب بقيادة الجهاز القضائي المشتبك في صراع مفتوح مع الأخوان، بينما عانت البنية التحتيه في كافة المدن من أنهيار واضح بسبب إنعدام الصيانة تماما، وتلاشي الخدمات الحكوميه المحليه، كل ذلك خلق حالة قوية من الإحتقان المجتمعي وأبرز العجز الكامل لحكومة مرسي، بينما كان الإعلام المنحاز تماما للنظام المباركي يسلط الضوء بكل قوة على تلك الأزمات ويضرب بكل عنف مؤكدا ان نظام مرسي يقود البلاد للخراب والدمار لصالح أجندة سريه هدفها تدمير مصر لصالح التنظيم العالمي للأخوان المسلمين وحركة حماس الفلسطينيه، ووصل اﻷمر لحالة مرضيه من الهوس والهستيريا الإعلاميه وسط شلل شبه كامل لنظام مرسي ورئيس وزرائه المثير للسخريه هشام قنديل، كل ذلك كان يهىء المسرح لشىء ما يلوح في الأفق، شىء ما كانت قوى أخرى خفيه تضغط في أتجاهه.




"الجيش لو نزل مصر حترجع 40 سنه لورا"
ذلك تصريح لعبد الفتاح السيسي قاله في يونيو الماضي، ردا على المطالبات المستمره للجيش بالإنقلاب على مرسي، أنا شخصيا أصدق هذا التصريح، وأصدق ان السيسي لم يكن راغبا في الإنقلاب وأصدق أنه حين دفع بقوات الجيش لتأمين المنشأت الرسمية الرئيسيه قبل مظاهرات 30 يونيو كان الأمر بموافقة مرسي ولتأمين تلك المنشأت فعلا لا للتجهيز للإنقلاب، لكن الضغط كان أكبر من أن يستطيع السيسي تحمله، فحملة تمرد التي تمتعت بحشد لكل القوى السياسية خلفها ولتمويل ودعم واضحين من الفلول الذين لم يخجلوا من الظهور بصراحة يدا بيد مع القوى (الثوريه) حتى اليساريه- التروتسكيين مثلا- على منصات الدعوه لمظاهرات 30 يونيو ، تلك الحمله كانت قد أكتسبت زخما شعبيا قويا، والحالة الإحتفالية الكرنفالية للتظاهرات - التي تتم في حراسة الشرطة والجيش- مع الموسيقى وأضواء الليزر والألعاب النارية مثلت فرجة شعبيه شديدة الجاذبيه لمزيد من الأعداد للمشاركة في أمسيات كرنفاليه في أمسيات صيفيه معتدلة الطقس، في نفس الوقت كان تحدي مرسي الواضح والعنيد لإنذار السيسي أكثر مما تحتمل أعصاب المؤسسه العسكريه، فهي لم تعتد التحدي السياسي وتراجعها كان يعني هزيمة سياسية قويه وإنكسار لصورة الجيش الخارق القوه في نظر الشارع، ولابد أن الصراع ما بين الجنرالات كان قد بلغ أشده خلف الابواب المغلقه، وهو ما صرح به منذ أيام جنرال متقاعد يحترف التحليل السياسي على الفضائيات - سامح سيف اليزل- أن السيسي لو لم يستجب لمطالب حشود 30 يونيو لكان عرض القيادة العامة للتصدع والجيش للإنشقاق، وهكذا يبدو أن الضغط المتواصل لمدة عام قد أثمر وأخيرا تحرك الجيش بعد ثلاثة ايام من الاحتفالات الشعبيه وألاف قطع الالعاب الناريه وأزاح مرسي عن الحكم.
إلا ان الأنقلاب كان بداية القصه وليس نهايتها، فتنظيم الاخوان الذي كان كسمكة خارج الماء أثناء سيطرته على الحكومه، أصبح كسمكة عادت للماء مرة أخرى، فلم يتفكك أو ينهار- وهي حالة نادره في التنظيمات السياسيه المصريه المهترئة تنظيميا عادة- بل أستطاع تنظيم عدد من المسيرات التي لا يمكن إنكار ضخامتها وأسس لأعتصام ضخم راسخ في ميداني رابعه العدويه والنهضه، مستنفرا كل قوته وأنصاره، ومتبنيا كل تراث الاحتجاجات ضد المجلس العسكري السابق على مرسي- تلك الاحتجاجات التي وقف منها اﻷخوان موقفا شديد العدوانيه- ومحولا نفسه لقوة جماهيريه ثورية المظهر تقاوم الإنقلاب العسكري وتدعو لعودة الشرعيه، ورغم كل الرهانات على أنهيار الإعتصام إلا انه صمد وبقي، طبعا لا يمكننا إنكار القوه التنظيميه للأخوان والتمويل المادي اللامحدود المتوفر لهم
، وهكذا واجهت الدوله المصريه الحديثه أكبر تحدي داخلي لها  من نوعه، كيان سياسي يتحداها في حركه أحتجاجيه جماهيريه، في أختبار غير مسبوق، ولنؤكد هنا ان الدولة بقيادتها العسكرية تواجه كيانا- الاخوان المسلمين- لا يتناقض معها لا طبقيا ولا في التوجه الاقتصادي أو السياسي، ولا يمثل أي تهديد مباشر أو غير مباشر لبنيتها الطبقيه والسلطويه، كل ما يريده هو جزء أكبر من كعكة السلطه لا الكعكة كلها، وطبقة من التدين المصطنع تستعملها أغلب الطبقة الوسطى المصريه كعادة يوميه. أختارت الدوله ان تخوض الصراع بالحد اﻷقصى من العدوانيه، فبدأت بتسليط التها الإعلاميه العملاقه- وإن كان أغلبها مملوك للقطاع الخاص- في حملة لا يمكن مقارنتها إلا بحملة جوبلز ضد اليهود في ألمانيا النازيه ضد الأخوان، وشمل ذلك حملة تشويه عنيفه ضد اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وفي نفس الوقت أطلقت عقال الرموز الإعلامية لنظام مبارك لتشن هجوما إعلاميا مكشوفا على أنتفاضة 25 يناير معتبرة اياها (نكسه) وكارثه جاءت ما تسمى (ثورة 30 يونيو) لتصلح من خطيئتها وتعيد التوافق ما بين الشعب والجيش والشرطه

أعقب ذلك الهجوم الإعلامي الساحق مجزرة فض اعتصام رابعه العدويه والذي تصل التقديرات بخسائره في اﻷرواح حتى 2000 قتيل، في إبراز لقدرة الدوله المصريه على ممارسة أقصى درجات العنف ضد معارضيها، في أستعراض مباشر لوحشية ذراعها العسكري، والأن بعد شهرين من الأنقلاب، ما زال الجيش منتشر في الشوارع، وتدخل حتى الان لثلاث مرات لفض أعتصامات عماليه، والأخوان ما زالوا يخوضون أحتجاجاتهم الجماهيريه، والاقتصاد ينهار بسرعة مدهشه، لكن الألة الإعلاميه ما زالت تضخ مخدر الوطنيه والقوميه والجيش الذي يحمي الشعب من الإرهاب، إلى متى سيستمر مفعول المخدر الوطني؟ ليس كثيرا، هل سيصل الطرفين لأتفاق سياسي؟ لا أعتقد فالجيش قد أحرق كل جسور التفاوض الممكنه.
 
إلى أين تسير مصر؟
لحرب أهليه على الطريقه المصريه، بارده كسول ممله وطويله، وبينما ينهار اﻷقتصاد بسرعه نتوقع قريبا ظهور أحتجاجات إجتماعيه يبدو أن الدولة قد منحتنا إشارة للكيفيه التي ستتصدى لها بها بالعنف، الذي أصبح الخبز اليومي للشارع الذي أصبحت حوادث إطلاق النار بالنسبه له فرجة شعبية جذابه.



ياسر عبد القوي
الحركه الاشتراكيه التحرريه- مصر.

1 سبتمبر 2013
 

الاثنين، 23 سبتمبر 2013

الانقلاب الذي لم يكن يجب أن يحدث


 المقال كتب للنشر مترجما للفرنسيه في مجلة البديل التحرري الاناركيه الفرنسيه.


يبدو أن الكتابة عن ما يحدث في مصر تصبح أصعب وأصعب كل مره، ومحاولة توقع مسار للأحداث أو تطور للعناصر المتفاعله شىء أقرب لتنبؤات السحره حول كراتهم البلوريه، فهذه ليست دولة عميقه، بل بئر مظلم بلا قرار مملوء بماء داكن ووحل أسود، تصطرع في أعماقه كائنات سياسيه منقرضه أو ممسوخه، ربما نسينا في خضم تطلعنا للضوء القادم من بعيد أنها ما تزال تعيش وسطنا وتحت أقدامنا، لأننا في الحقيقه عالم ثالث ودولة ناميه وجمهورية موز أخرى تقع شمال شرق افريقيا،
يشبه الأمر مشهدا من فيلم خيال علمي حين تنظر لحدث ما في الماضي القريب ، وتقول أنه ما كان يجب أن يحدث، بكل تحليل منطقي عقلاني ما كان يجب أن يحدث،
من كان يتوقع مظاهرات 30 يونيو والإنقلاب العسكري الذي لحقها؟
لا أحد
فمنذ أغسطس 2012 وقوى النظام المباركي تخوض كل شهرين تقريبا نفس المغامره بنفس الخطه التي يعلنونها بكل صراحة ووضوح: (لو نزلنا بأكبر عدد ممكن وبقينا في الشارع لأطول وقت ممكن وخلقنا أكبر قدر ممكن من الفوضى الضاغطه فإن الجيش سيكون مضطرا للإنقالب على مرسي وحكم الاخوان)، بل أن بعضهم كان يحدد عددا كحد أدنى ومدة زمنية لن يتحرك الجيش لاقل منهما، وكل مرة كانت تنتهي المغامرة بنفس النتيجه، مظاهرات، قليل من العنف، ثم اللاشىء، فالمؤسسة العسكريةلا تراهم ولا تسمعهم، وهي تحقق مكسبا سياسيا أو اقتصاديا جديدا بعد كل (نوبة) تظاهر من تلك النوبات الفلوليه
فلماذا أختلفت 30 يونيو؟
منذ يناير الماضي كانت جدران المباني بالميادين الرئيسيه تتغطى بأعلانات تقول: أنزل ساند جيشك، أنقذ مصر، وكانت توزع الألاف من تلك الإعلانات في لقاءات جماهيرية تدعو لها وتنظمها مجموعات نعلم أن مؤسسيها شديدي القرب من الأجهزه الأمنيه، وكانت تتعاون معها عدد من الأحزاب السياسيه الليبراليه في تلك اللقاءات، لكن الجيش لم يتحرك رغم ذلك، فلماذا نجحت حركة (تمرد) المجهولة الأصل والمدعومة أمنيا على حسب رصدنا لها- فيما فشلت فيه حركات أطول عمرا واكثر إحترافا؟
مبدئيا لا أعتقد أن عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحه كان يرغب فعلا في الإنقلاب
على نظام الإخوان، مبدئيا نه إسلامي الهوى والتوجه على حسب مقال مجلة foreign affairs
الأمريكيه بعددها الإلكتروني في 28 يوليو 2013 في تحليل لورقته البحثيه أثناء دراسته بكلية الحرب بالولايات المتحدة خلال عام 2006
وهو ما تكرر بعدد من المقالات التحليليه واللقاءات مع المشرفين على دراساته في نفس الفتره، وحتى القوى الإعلاميه لما يسمى (الفلول) كانت تقصفه لشهور بمدفعيتها الإعلامية الثقيله منذ تعيينه وزيرا للدفاع في أغسطس 2012 متهمة أياه بأنه أخواني الميول والهوى ، وأن بعض أقربائه شخصيات قيادية قديمة بالأخوان المسلمين، وحتى يناير الماضي كانت الهمسات والتلميحات أن الأمل في رئيس الأركان (صدقي صبحي) لقيادة ذلك الإنقلاب على مرسي وليس السيسي
، كما أن الجيش لم يكن يمتلك اي مصلحه في الإنقلاب، فهو يحصل على مكاسب أقتصادية وسياسيه لم يكن يحلم بها ايام مبارك حتى بسبب ضعف مرسي وهشاشة نظامه ورغبته في إسترضاء المؤسسه العسكريه بأي ثمن.

لكن قوى أخرى كانت تعمل لتجبر الجيش على الخروج عن صمته وتجاهله للتحريض على الإنقلاب رغم وصول امر لحملة تحرير توكيلات رسميه للفريق السيسي لإدارة شئون البلاد في مارس الماضي- نرصد هنا طريقة تفكير البرجوازيه المصريه: تحرير توكيلات حكوميه رسميه لتوكيل قائد الجيش بالقيام بإنقلاب عسكري- تلك القوى كانت الجهاز البيروقراطي للدولة المصرية، والذي حسم أمره وقرر أنحيازه ضد الاخوان في الصراع المفتوح ما بينهم وبين النظام المباركي، فضربت البلاد موجة تلو اخرى من أزمات غير مبرره ، بداية من تعميق أزمة انابيب الغاز - الموروثة من مبارك- وصولا لنقص حاد في الوقود، وأنقطاع يومي متكرر للتيار الكهربائي- ملحوظه وزيري الكهرباء والبترول بحكومة مرسي بقيا في حكومة الإنقلاب-، بينما كانت المحاكم لا تكاد تعمل حتى تعود للإضراب بقيادة الجهاز القضائي المشتبك في صراع مفتوح مع الأخوان، بينما عانت البنية التحتيه في كافة المدن من أنهيار واضح بسبب إنعدام الصيانة تماما، وتلاشي الخدمات الحكوميه المحليه، كل ذلك خلق حالة قوية من الإحتقان المجتمعي وأبرز العجز الكامل لحكومة مرسي، بينما كان الإعلام المنحاز تماما للنظام المباركي يسلط الضوء بكل قوة على تلك الأزمات ويضرب بكل عنف مؤكدا ان نظام مرسي يقود البلاد للخراب والدمار لصالح أجندة سريه هدفها تدمير مصر لصالح التنظيم العالمي للأخوان المسلمين وحركة حماس الفلسطينيه، ووصل امر لحالة مرضيه من الهوس والهستيريا الإعلاميه وسط شلل شبه كامل لنظام مرسي ورئيس وزرائه المثير للسخريه هشام قنديل، كل ذلك كان يهىء المسرح لشىء ما يلوح في الأفق، شىء ما كانت قوى أخرى خفيه تضغط في أتجاهه.


"الجيش لو نزل مصر حترجع 40 سنه لورا"
ذلك تصريح لعبد الفتاح السيسي قاله في يونيو الماضي، ردا على المطالبات المستمره للجيش بالإنقلاب على مرسي، أنا شخصيا أصدق هذا التصريح، وأصدق ان السيسي لم يكن راغبا في الإنقلاب وأصدق أنه حين دفع بقوات الجيش لتأمين المنشأت الرسمية الرئيسيه قبل مظاهرات 30 يونيو كان الأمر بموافقة مرسي ولتأمين تلك المنشأت فعلا لا للتجهيز للإنقلاب، لكن الضغط كان أكبر من أن يستطيع السيسي تحمله، فحملة تمرد التي تمتعت بحشد لكل القوى السياسية خلفها ولتمويل ودعم واضحين من الفلول الذين لم يخجلوا من الظهور بصراحة يدا بيد مع القوى (الثوريه) حتى اليساريه- التروتسكيين مثلا- على منصات الدعوه لمظاهرات 30 يونيو ، تلك الحمله كانت قد أكتسبت زخما شعبيا قويا، والحالة الإحتفالية الكرنفالية للتظاهرات - التي تتم في حراسة الشرطة والجيش- مع الموسيقى وأضواء الليزر والألعاب النارية مثلت فرجة شعبيه شديدة الجاذبيه لمزيد من الأعداد للمشاركة في أمسيات كرنفاليه في أمسيات صيفيه معتدلة الطقس، في نفس الوقت كان تحدي مرسي الواضح والعنيد لإنذار السيسي أكثر مما تحتمل أعصاب المؤسسه العسكريه، فهي لم تعتد التحدي السياسي وتراجعها كان يعني هزيمة سياسية قويه وإنكسار لصورة الجيش الخارق القوه في نظر الشارع، ولابد أن الصراع ما بين الجنرالات كان قد بلغ أشده خلف الابواب المغلقه، وهو ما صرح به منذ أيام جنرال متقاعد يحترف التحليل السياسي على الفضائيات - سامح سيف اليزل- أن السيسي لو لم يستجب لمطالب حشود 30 يونيو لكان عرض القيادة العامة للتصدع والجيش للإنشقاق، وهكذا يبدو أن الضغط المتواصل لمدة عام قد أثمر وأخيرا تحرك الجيش بعد ثلاثة ايام من الاحتفالات الشعبيه وألاف قطع الالعاب الناريه وأزاح مرسي عن الحكم.


إلا ان الأنقلاب كان بداية القصه وليس نهايتها، فتنظيم الاخوان الذي كان كسمكة خارج الماء أثناء سيطرته على الحكومه، أصبح كسمكة عادت للماء مرة أخرى، فلم يتفكك أو ينهار- وهي حالة نادره في التنظيمات السياسيه المصريه المهترئة تنظيميا عادة- بل أستطاع تنظيم عدد من المسيرات التي لا يمكن إنكار ضخامتها وأسس لأعتصام ضخم راسخ في ميداني رابعه العدويه والنهضه، مستنفرا كل قوته وأنصاره، ومتبنيا كل تراث الاحتجاجات ضد المجلس العسكري السابق على مرسي- تلك الاحتجاجات التي وقف منها اخوان موقفا شديد العدوانيه- ومحولا نفسه لقوة جماهيريه ثورية المظهر تقاوم الإنقلاب العسكري وتدعو لعودة الشرعيه، ورغم كل الرهانات على أنهيار الإعتصام إلا انه صمد وبقي، طبعا لا يمكننا إنكار القوه التنظيميه للأخوان والتمويل المادي اللامحدود المتوفر لهم
، وهكذا واجهت الدوله المصريه الحديثه أكبر تحدي داخلي لها  من نوعه، كيان سياسي يتحداها في حركه أحتجاجيه جماهيريه، في أختبار غير مسبوق، ولنؤكد هنا ان الدولة بقيادتها العسكرية تواجه كيانا- الاخوان المسلمين- لا يتناقض معها لا طبقيا ولا في التوجه الاقتصادي أو السياسي، ولا يمثل أي تهديد مباشر أو غير مباشر لبنيتها الطبقيه والسلطويه، كل ما يريده هو جزء أكبر من كعكة السلطه لا الكعكة كلها، وطبقة من التدين المصطنع تستعملها أغلب الطبقة الوسطى المصريه كعادة يوميه.
أختارت الدوله ان تخوض الصراع بالحد اقصى من العدوانيه، فبدأت بتسليط التها الإعلاميه العملاقه- وإن كان أغلبها مملوك للقطاع الخاص- في حملة لا يمكن مقارنتها إلا بحملة جوبلز ضد اليهود في ألمانيا النازيه ضد الأخوان، وشمل ذلك حملة تشويه عنيفه ضد اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وفي نفس الوقت أطلقت عقال الرموز الإعلامية لنظام مبارك لتشن هجوما إعلاميا مكشوفا على أنتفاضة 25 يناير معتبرة اياها (نكسه) وكارثه جاءت ما تسمى (ثورة 30 يونيو) لتصلح من خطيئتها وتعيد التوافق ما بين الشعب والجيش والشرطه
، أعقب ذلك الهجوم الإعلامي الساحق مجزرة فض اعتصام رابعه العدويه والذي تصل التقديرات بخسائره في ارواح حتى 2000 قتيل، في إبراز لقدرة الدوله المصريه على ممارسة أقصى درجات العنف ضد معارضيها، في أستعراض مباشر لوحشية ذراعها العسكري، والأن بعد شهرين من الأنقلاب، ما زال الجيش منتشر في الشوارع، وتدخل حتى الان لثلاث مرات لفض أعتصامات عماليه، والأخوان ما زالوا يخوضون أحتجاجاتهم الجماهيريه، والاقتصاد ينهار بسرعة مدهشه، لكن الألة الإعلاميه ما زالت تضخ مخدر الوطنيه والقوميه والجيش الذي يحمي الشعب من الإرهاب، إلى متى سيستمر مفعول المخدر الوطني؟ ليس كثيرا، هل سيصل الطرفين لأتفاق سياسي؟ لا أعتقد فالجيش قد أحرق كل جسور التفاوض الممكنه.
إلى أين تسير مصر؟
لحرب أهليه على الطريقه المصريه، بارده كسول ممله وطويله، وبينما ينهار اقتصاد بسرعه نتوقع قريبا ظهور أحتجاجات إجتماعيه يبدو أن الدولة قد منحتنا إشارة للكيفيه التي ستتصدى لها بها بالعنف، الذي أصبح الخبز اليومي للشارع الذي أصبحت حوادث إطلاق النار بالنسبه له فرجة شعبية جذابه.


ياسر عبد القوي
الحركه الاشتراكيه التحرريه- مصر.