الاثنين، 4 مايو 2015

رواية أحمد شوقي :حكايات الحُسن والحُزن أو مركب الضراير سارت ومركب السلايف غارت






حكايات الحُسن والحُزن

أو : مركب الضراير سارت ومركب السلايف غارت

- جملة أعتراضية-
واجهة الرواية هي نص ل (لوكليزيو)، هل تعرف من هو لوكليزيو؟ أنا لم اكن أعرف من هو لوكليزيو حتى استفتيت العم (جوجل) فأفتاني، وأنت عزيزي القارىء غالبا لم تعرف من هو لوكليزيو وأنا لن أقول لك من هو، أما الكاتب فهو يعرف،
(وانت لا تعرف، شفت أن الكاتب مثقف عنك ؟ أقرا بتواضع بقى، أنت طلعت ما تعرفش لوكليزيو وهو يعرفه

أول ما يلتقيك في الرواية هو (اللغة) ، فأحمد شوقي يتميز باللغة، واللغة هنا مقصود بها (الكلمات) ، يحوز أحمد الكثير من الكلمات- نعم نحن في هذه النقطة من القاع حيث (الحصيلة اللغوية) أصبحت من المميزات التي يتميز الكاتب لامتلاكها- وهو قادر على أن يصوغ هذه الكلمات في جمل شديدة الشاعرية ، بل ويقيم منها بناءا شاعريا كاملا، ، الحقيقة أن الفصل الأول من الرواية (مدخل) يكاد يكون نصا شعريا إلا قليلا، هذه الروح الشعرية تنتشر في الرواية كلها، ليس بشكل متساو، فاللغة ترتقي لتكون قلائد من الشاعرية النقية، لكنها أيضا تفقد تلك الشاعرية لتكتسب (عملية) ومباشرة لغة الصحافة المباشرة، تحتضن تلك الروح الشاعرية قدرة واضحة على بناء المواقف القصصية المدهشة ، ليلة الحب الرومانسية بصفحة، ( 27) ، وصفه الرائع لجسد رئيسة، تطوراته، تفاصيله، مشهد ولادة رئيسه ، ليلة جلوة سيدة، ، رحلة الطفل صالح مع عمه خامل، مشاهد غارقة في الشاعرية وخفة الدم – حكاية الشيخ معزه- والقدرة على إحكام البناء المشهدي ، القدرة على قص (حكاية)، ممتعه وكثيفه، بلغة تنتقل من الشاعرية الرفيعة للمباشرة الكاشفة في بساطة وليونة، كما ينتقل العازف المتمكن ما بين أوتار ألته دون أن ينظر لنوته أو يسترجع لحنا يحفظه، بل هو واثق من طوع ألته ﻷنامله، وأن كل تلامس ما بين أصابعة والأوتار لابد أتٍ بلحن جميل أو نغمة مدهشه، ذلك كاتب يمتلك ناصية اللغة ويجيد صياغة الجمل.


والحقيقة ان القارىء كلما أوغل في العمل تكشفت له ميزة أخرى من مميزات الكاتب، (الكرم) ، أحمد شوقي كاتب كريم، فهو يتعامل مع قرائه وكأن لسان حاله يقول : “ أنا مش حارمكوا من حاجه” ، فالرواية على صغر حجمها تعرض حشدا من تقنيات الكتابة، بدئا من حالة الحلم الشاعرية في صفحاتها الأولى، استلهام الحكاية الشعبية في قصة الشيخ معزه، حكايات السلايف وخلافاتهن، قصة الحب الرومانسية الناعمة ما بين سالم وإكرام – ذكرتني برواية شجرة اللبلاب لمحمد عبد الحليم عبد الله، الواقعية السحرية واستدعاء التراث الشعبي في العلاقة ما بين خامل وال (القط/ الروح)، وديالوجات ما بين الكاتب وما بين القط فتحي – بطل مجموعته القصصية القطط أيضا تعرف الرسم- وإسقاط للجدار الرابع حيث يتوجه الكاتب بالحديث مباشرة للقارىء معلنا انه الكاتب وأن تلك الشخوص من خلقه ومصيرهم بيديه، وحداويت الصراعات العائلية البسيطة وتطورات مصير القادمين من الريف ليحتلوا مكانا بالمدينة، مع مونولوجات خاصة بالمؤلف ، أحمد شوقي يقدم كل المائدة العامرة بكرم وأريحية، بل بزهو وخيلاء، أكاد أتخيله يسير متبخترا عبر صفحات روايته شاهرا قلمه كسيف ، وهو يتبختر عارضا كل ما قدمه للقارىء عبر صفحات الكتاب، كل تلك التقنيات المتعددة والتعقد الشديد لبنية القصة التي تدور حول نفسها وتعود وتذهب ثم تعود أدراجها لتسير نفس المسار مرة أخرى، وتعلو وتهبط، عبر أبواب عديدة وسلالم مربكة، لا تسلم قيادها بسهولة للقارىء الهاوي طيب السريرة – لن أقول ساذجا- فتتركه مبهور الأنفاس، متضعضعا، فيلهب كفيه تصفيقا لفارس الحلقة المتباهي بقلمه وبقدرته ككاتب متملك لناصية اللغة.


تحت هذه الطبقات السميكة من التضمينات والمونولوجات الوجودية النكهة والجمل الشاعرية و التماس مع الواقعية السحرية وتباهي الكاتب الذي لا يهاب أختراق الحائط الرابع مع قرائه متبسطا معهم ومتواضعا لهم، كل تلك الطبقات الفاخرة تخفي شيئا هشا بسيطا كما الحياة نفسها هشه وبسيطة، شيء له رائحة (الوتد) – المسلسل وليس الرواية، ولن أعيش في جلباب أبي – المسلسل ولا اعلم بوجود رواية-، مع عبير خفيف لا يكاد يمس إلا برقة بالغة وإلا فقدته للأبد من شجرة ، اللبلاب - الرواية أو الفيلم – ولو لا أريد أن احمل العمل طيش ذاكرتي لأشرت لنكهات روائية أخرى، لكن لنكتفي بالوتد ولن أعيش في جلباب أبي، تلك القصة البسيطة الرقيقة المحملة ببساطة العالم وتكراريته التي تسكن هذه الرواية المتباهية بقدراتها، تبدو كفلاحة بسيطة بريئة وطيبة يدفع بها لحضور ندوة عن (أنطولوجية السيميولوجي السردية في أعمال لوكليزيو)،


لكن هل ( حكايات الحُب والحُزن) مجرد رواية ؟

أرى أن العمل يتجاوز المنطقة البسيطة للرواية، تلك المنطقة التي نقف فيها نحن خلق الله البسطاء، لرحابة ( الكتابة عبر النوعية) – المجد لإدوار الخراط- فهي مزيج كثيف من النصوص الشاعرية، والمونولوجات الوجودية، والقصص القصيرة والحكايات الشعبية المعاد صياغتها، ، والأحلام ، والشخوص التي تظهر في قلب الحدث كأنما بفعل السحر، ثم يزيلها السحر من الحدث، هي ذلك البناء المعقد المركب لعمل يجمع ما بين القصة والنص والمونولوج وطبعا الوتد ولن أعيش في جلباب أبي، هي رقصة التباهي لقصاص يمتلك أدوات اللغة والشاعرية وبناء المشهد والقدرة الوصفية الرفيعة قرر أن يجمع كل أدواته بين دفتي كتاب ليكون....رواية








مدخل :
* يمكنك الا تقرأ هذا الجزء*

حكاية

يقال أنه في احدي القرى – قرية أية؟ ، أي قرية والسلام، قرية ما معلقة في الزمان والمكان- كان الناس قديما يبنون بيوتهم من الحجر والأسمنت وأحيانا من الطوب الأحمر والأسمنت، البعض كان يبني صروحا شاهقة تقوم على عمد من خرسانة غائرة في الأرض، والبعض كان يكتفي بصب السقف على جدران حاملة لبناء طابق أو طابقين، يقال أن الأزمنة طالت على القرية فنسى الناس البناء بالطوب والخرسانة، ويقال أن البنائين قد رحلوا منها جميعا لسبب مجهول، لكن لابد للناس من بيوت يأوون إليها، البعض أعترش من البوص والقش عرائش، آخرون صنعوا من الصفيح أعشاشا، والقلة خلطوا القش بالطين وصنعوا أشياء ما بين الأكوام والجحور، لكن أهل القرية جميعا أصبحوا بنائين ، وأستطال الزمن فدرست البيوت الحجرية الخرسانية القديمة، وتهدمت صروحها، وأفاض القرويون على الخرائب القديمة حكايات الجن والعفاريت، والسحرة والشياطين، وأسكنوا بها في خيالهم مردة وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وزادوا على سكانها أبو رجل مسلوخة ونداهه تشتهي لحم الرجال، فكانت البيوت الحجرية ملعونة ومشؤومة ومحرمة، وقيل أن من بنوها قوم منسيون ملعونون، ضربهم الله بغضبه، فدرست صروحهم، وحرمت فنونهم، وأصبح كل أهل القرية بنائين، بالقش والصفيح والتبن والتراب، يقال أنه حين تقدم الزمن بالقرية ظهر فيها رجل – رجل أيه؟ راجل وخلاص، رجل معلق في الزمان والمكان سقط من السماء منغرسا في أرض الحدوتة- ظهر ذلك الرجل في القرية ولعله من سكانها أصلا لكنه كان خاملا غير مرئيا حتى هذه اللحظة التي نحكي فيها حكايته، أعلن ذلك الرجل ذات صباح أنه سيبني بيتا بالطوب والخرسانة، بيتا كالصروح الدارسة القديمة، ولن يقنع ببيت من قش تغطي بابه الخرق، أو من طين وتبن تغطي فوهته حصيرة من البوص، بل سيبني صرحا عظيما من الطوب والأسمنت، يأتي له من المدينة – مدينة أية؟ أي مدينة، مدينة معلقة في الزمان والمكان على مبعدة من القرية- بأفضل الفواعلية والصناع ليعيد مجد الصروح الأسمنتية القديمة ، في ارض أختارها على طرف القرية- أي قرية لازم يكون لها طرف واحد ع الأقل يعني- وبعد زمن طويل عاد الرجل للقرية وأعلن للقرويين أنه قد أنتهي من بناء عمارته الفاخرة التي سيتقزم إلى

جانبها كل ما (يعكون) بالقش والصفيح والطين، وحين تبعه أهل القرية إلى حيث أقام عمارته الجديدة وقفوا منبهرين بجودة الصناعة وروعة الحرفية، أستعرض أمام أعينهم المندهشة الباب الحديدي الأنيق الزخارف الذي جعله للعمارة، وأبهر حسدهم بالأبواب الخشبية المزهوة بلمعان دهانها ودقة نقوشها، وضرب قلوبهم بالحسد بلمعان نقوش بلاطات السيراميك الفرز الأول، وأناقة قطع (أطقم الصحي) المتوافقة الألوان مع السيراميك، وشهقت حلوقهم حسرة على بختهم المنيل وهم يتأملون دقة (رصة) طوب الجدران ودقة المحارة وحرفية (النقاشة)، أحاطوا بهم جميعا وقد أذهلهم ما بناه …..

أستنوا كده، حلوه الحته اللي أنا كتبتها دي، حأكتبها تاني

وبعد زمن طويل عاد الرجل للقرية وأعلن للقرويين أنه قد أنتهي من بناء عمارته الفاخرة التي سيتقزم إلى جانبها كل ما (يعكون) بالقش والصفيح والطين، وحين تبعه أهل القرية إلى حيث أقام عمارته الجديدة وقفوا منبهرين بجودة الصناعة وروعة الحرفية، أستعرض أمام أعينهم المندهشة الباب الحديدي الأنيق الزخارف الذي جعله للعمارة، وأبهر حسدهم بالأبواب الخشبية المزهوة بلمعان دهانها ودقة نقوشها، وضرب قلوبهم بالحسد بلمعان نقوش بلاطات السيراميك الفرز الأول، وأناقة قطع (أطقم الصحي) المتوافقة الألوان مع السيراميك، وشهقت حلوقهم حسرة على بختهم المنيل وهم يتأملون دقة (رصة) طوب الجدران ودقة المحارة وحرفية (النقاشة)، أحاطوا بهم جميعا وقد أذهلهم ما بناه …..

وأخذوا يمدحونه ويقرظونه ، ويربتون على كتفيه في مزيج من الانبهار والحسد، فها هو يخرج من صلب البنائين بالقش والصفيح والتبن من يبني كالمردة القدامى بالطوب والخرسانة، و يخضع الأسمنت الجبار لرغباته، الجميع تحلقوا حوله رافعين أصواتهم بالتهنئة والتقريظ، رجل واحد بقى واقفا وحده، عم الخبيصي- من أين أتي؟ أتى من حيث أتي، سقط من السماء هو الأخر وسط الحكاية- ولتسميته حكاية، عم الخبيصي لم يكن أسمه عم الخبيصي، في البدء كان له أسم نسيه الناس، وتذكروا أهم صفاته أنه (خبيث)، ومع الوقت صار أسمه عم (الخبيث) ورققت العامية الثاء لتجعله عم الخبيس، ومع الزمن تفخمت السين العامية صادا، ولحقتها ياء النسب فصار عم الخبيصي- شفتوا بأعرف اعمل حدوته عميقه للأسماء أزاي؟!!- عم الخبيصي تقدم من الجمع الضاج، تأمل بهدوء ما عرضه لهم الرجل صاحب العمارة، ثم قال بصوت مرتفع اضمحلت أمامه أصواتهم كما يهدأ صخب العصافير باعتلاء صقر لكبد السماء: فين العمارة يا عم؟ دي بيبان ، أي نعم فخمه ومتقنه، وسيراميك أي نعم فرز أول، وحيطان أي نعم معموله كويس، لكن ما فيش عماره، دي كل حاجه مرصوصه جنب بعضها، أنت ما بنتش عمارة أصلا، فأصبح عم الخبيصي ملعونا وسط قرية البنائين الذين خرج من صلبهم مارد يبني بالطوب والأسمنت.