الأربعاء، 22 يوليو 2015

عرس بغـل ....الجنرال


قرأت رواية (عرس بغل) للكاتب الجزائري الكبير
 الطاهر وطار في أواخر الثمانينيات منشورة في
طبعة رديئة- كالعادة- لروايات الهلال، وكأغلب ما يقرأ المرء في مراهقته التصقت الرواية بذهني، خاصة عنوانها الملغز (عرس بغل) جملة متناقضة، فكيف يكون لحيوان بلا جنس عرس؟!! عرس البغل كما يشرحه الطاهر وطار بروايته التي تدور بالعالم السفلي لبيوت الدعارة الجزائرية بأوائل القرن العشرين، يمثل عرس البغل فيها ذروة أحداثها وانفجارها، وهو كما تشرحه الرواية ببساطة حدث أحتفالي تقوم به بيوت الدعارة الكبيرة حين تعلن صاحبتها عن تبرعها بمبلغ نقدي لختان عدد من أولاد الفقراء وتفريق الحلوى والملابس عليهم، وتتخذ مبادرة البر والإحسان هذه كمبرر لإقامة احتفال كبير بهؤلاء الفقراء، هذا الاحتفال في الحقيقة هو (مهرجان دعارة) تشترك فيه عدة من المنشآت المتخصصة في هذا النشاط وفي هذه الاحتفالية تتعاظم أرباح صاحبة البيت الداعي - ربة البر والإحسان- التي تحصل على نسبة من كل (صانعة) تشارك في (عرس البغل) الذي تقيمه، ببساطه هو احتفالية زائفة لتبرير شيء أخر أبعد ما يكون عن أساس الاحتفالية المعلن.

تخيل كم من (عرس بغل) شهدته مصر خلال... لنقل أخر 40 عاما او نحوها، الانفتاح، شرق العوينات، فوسفات أبو طرطور، قناة توشكي ...إلخ، مشروعات قومية وطنية عملاقة تقبل محوطة بزخم إعلامي هائل ووعود أسطورية بتغير جذري وشامل للحياة بمصر حين يكتمل المشروع، ثم تدبر بخيبة أمل هائلة لا يدانيها في ضخامتها إلا حجم الأموال المهدرة في تلك المشاريع.

يبدو الجنرال السيسي عصيا على السياسة، أشهد له بذلك، فأدوات السياسة لا تعمل فيه، وقواعدها لا تنطبق عليه، وتحليلاتها تعجز أمامه، ذلك أن الجنرال لا يقوم بأي شيء يمكن تسميته (سياسة) حتى بالمعايير شديدة التدني للسياسة المصرية، ما يحدث ببساطة هو الأتي :

تخيل مسرحا كبيرا يقف في مقدمته الجنرال السيسي يلقي خطاباته اللوذعية المرتبكة العبارات والمبهمة المعاني والتي تنتهي بالهتاف ثلاثا: تحيا مصر، تحيط به جوقة من الراقصات والمغنيين والمحبظاتيه والقرداتيه والطبالين والزمارين والشعراء والمنشدين ولاعبي الأكروبات والثلاث ورقات، ونافخين النار، وبتاع (عاوز تلات رجاله يكتفوني)، وتتسلط عليه الإضاءة الباهرة، ويجلس أمامه جمهور منتش متسلطن لا يقبل أي إزعاج يقاطع أندماجه في حقة (الزار) الوطنية التي يقيمها بطله المفضل، وفي خلفية المسرح، بعيدا في الظل، نصف مختفية في الكواليس، ألة عملاقة لا تتوقف عن العمل، الة تنتج القوانين بكثافة هستيرية، تستجلب المساعدات الخارجية وتودعها في حسابات سرية مخفية، تعقد صفقات غير مبررة بتمويلات مريبة واتفاقات مخفيه، أله تعمل في هستيريا وكفاءة لأجل هدف غامض لا يمكن تخيله، ولا يمكن معرفته، هدف يتصف بالاستيلاء و(التكويش) والاستنزاف، لكن ما هي طبيعته وكينونته الحقيقية؟ يبقى الامر أقرب للأساطير منه للوقائع ولأفلام الرعب الخيالية منه لخطة واضحة مفهومه، الجنرال هو البهلوان الذي يشغل أعين الزبون وحواسه، بينما (المعلمين) ينظفون جيوبه وينهبون متاعه، الحقيقة أنا لا أتخيل للجنرال السيسي دورا أعمق ولا اهم في إدارة مصر غير هذا، دور العصفورة التي تخبل عيي الضحية ووعيه.

لنذهب أعمق قليلا...

يبدو انه يجب أن يكون لكل حاكم لمصر (هرم أكبر) ، مشروعا قوميا عملاقا خالدا يغير وجه الحياة والعالم ويبقى حاملا ذكراه مدى الدهر، لا يهم إن كان نافعا أم بلا جدوى، لا يهم إن كان حقيقيا ام من قصاصات صحف وأوبريتات، الحقيقة يجب أن يكون له (هم أكبر) و(قادش) نصر عسكري كبير يباهي به الامم، لا يهم إن كان حقيقيا أم أضغاث صحف، حرب أستنزاف، عبور، اول ضربه جويه، حتى مرسي لفقوا له (العملية نسر) الكرتونية، فلا يجب أن يخرج احد عن التقليد القديم المستقر.

الجنرال السيسي يمثل مشكلة كبيرة هاهنا، فالرجل بلا تاريخ عسكري مطلقا، ومساره الوظيفي المنشور يؤكد انه تمتع منذ تخرجه من الكلية العسكرية بواسطة من العيار الثقيل أبقته في طراوة وليونة المكاتب، فهو لا (ينزل) للوحدات إلا مضطرا حين يحين ميعاد ترقيته أو فرقته، ليعود سريعا بعدها لحضن المؤخرة السمينة الهائلة الوثيرة للجيش المصري لا تاريخ عسكري له وإنجازه الوحيد هو أنقلاب عسكري خائب أضطر فيه للتخفي خلف مولد شعبي بليزر ودي جيه وهز أرداف، وعمليته العسكرية الوحيدة هي مجزرة ضد مدنيين عزل ، فأر مؤخرة حقيقي على حسب التعبير العسكري الغربي، فلا (قادش) هاهنا ولو ملفقه، وجيشه بالكاد يحاول ألا تنتزع منه محافظة كاملة على يد مليشيا مجهولة الأصل والتاريخ، إذا ليكن لي إهرامات عديده، هكذا يحدث نفسه، وها هنا يخرج الأمر من السياسة لندخل منطقة الطب النفسي، وتحديدا الخلل النفسي، الهستيريا وجنون العظمة الذي يتحول لهلوسة وهستيريا ،  مؤتمر أقتصادي سيأتي بمئات المشاريع لمصر، سرب من اغلي طائرات في العالم لم يشترها غيرنا ب 5 مليار يورو، قناة سويس جديدة ب 60 مليار جنيه، عاصمة جديدة ب 350 مليار دولار ، أستصلاح نصف مليون فدان ب 50 مليار جنيه، وتحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر، ويرتفع ضجيج الجوقة كأنما تلبستهم الشياطين، وتنتقل الهستيريا للمتفرجين فينهضون، يدورون ويتخبطون وهم يهتفون : تحيا مصر، وفي الخلفية الأله الهائلة الراقدة بالظل تقوم بعملها، فتنتزع المليارات من صناديق معاشات النقابات وتورط البنوك في تسديد أرباح شهادات أستثمار القناة، وتنتج قانونا يحول هيئة قناة السويس لشركات مساهمة مطروحة بالسوق، كل هذا ومليشيا مجهولة توجه ضربات مؤلمة لقوات الجيش بسيناء، وتفجر معسكرا قرب القاهرة وتقصف زورقا حربيا، وأي كلام تقوله غير كلام البيان الرسمي للجيش سيحبسك عامين...مولد، مولد حقيقي لجنرال مصاب بجنون عظمة مرضي وألة عملاقة من رجال أقل لمعانا تعمل في الخلفية، رجال يمتلكون السلطة والسطوة والخبرة الطويلة في حلب البقرة العجفاء المسماة مصر.

قناة السويس الجديدة التي هي تضخيم إعلامي هستيري ل التفرعية ذات ال 35 كيلو مترا حفرا عملت فيه 75% من كراكات العالم لإنجازها في عام واحد فقط، ليه؟ لإرضاء جنون الجنرال وشهوته لبناء هرم حتى لو كان هرم من إهدار المال العام والديون، عرس بغل يقيمه لنا الجنرال، بل تقيمه لنا الألة الخفية بمؤخرة المسرح (تذكرونها؟) ليتم خلاله استكمال مشروع النهب العملاق لمصر أرضا وثروة وشعبا ومستقبلا، وما الجنرال إلا مبرر وسبب ، مهرج صغير تفرحه الأنوار والتصفيق يرمون وقود المديح الزائف على نيران هوسه وعبر هذا الهوس يستمر مخططهم بخطى ثابتة محكمه، ليضيق الحبل على أعناقنا جميعا.

مبارك عليك وعلى جوقتك (عرس البغل) يا عزيزي الجنرال الحنون .