السبت، 30 نوفمبر 2013

عن البراءة والساحرات الشمطاوات.

شهادتي عن ثورة يناير- جريدة اخبار الادب - عدد 1 ديسمبر





الاحباط يبقى عصيا على المخيله المبدعه، فالإحباط هو فساد خارج الزمن للفعل، هو ليس لا فعل بل فساد لاحق للفعل، فساد يضرب فعلك بالماضي وينتشر من هناك ليكتسح فعلك بالحاضر ويدمغ فعلك بالمستقبل، إنه بركة أسنة من الشعور بالعبثيه واللاجدوى واللاقيمه يغرق فيها فعلك كأنسان،او كمجتمع، احب هذا التعبير في العاميه (مدلدل) لوصف الشخص المحبط، فهو ليس مكسورا ولا محطما، فالتكسر فعل ومقاومه، اما (الدلدله) فهي رخاوة وتحلل، ليونة مرضية، تساقط الأشياء عن مواضعها دون ان تنفصل عن الاصل، تشوه غير نهائي فلا يمكنك ان تعيد ترميم نفسك.


لقطه 1:
مساء التاسع والعشرون من يناير 2011، حديقة محطة مصر تجمع عشوائي يتقارب دفعا لبرودة يناير الشرسه وابناء الحزب الوطني الذين كانوا يحومون حول المجموعة كما تحوم القروش حول سرب من الفرائس، يبثون اليأس والإستسلام، لن انسى ما حييت ذلك الخمسيني بوجهه المجهد بال (الشقا) وعيناه تلمعان كطفل يزور الملاهي للمرة الأولى وهو يسألني: مصر حتبقى أحسن، مش كده؟، ولا انسى إجابتي التلقائية : طبعا، اكيد حتبقى احسن، هل يعلم انه لا يمر يوم لا اتذكره فيه؟ وانني كل مرة أتذكره أعتذر له، انا أسف يا أخي، فقد كذبتك، هي لم تصبح افضل ولن تصبح، كيف هو عمق إحباطك الأن؟ هل تتذكرني؟ هل تلعنني في سرك؟ وتلعن أجابتي الكاذبه الساذجه البلهاء؟


لقطه 2:
لا أذكر الزمن تحديدا، وقت ما في الشهور القليلة اللاحقة على 25 يناير، ممثل الأكشن الامريكي (فين ديزل) ينشر على الفايس صورة له بمصر، تنهال على صفحته التعليقات الساخره والنكات بالعربيه، ثم كأنما إنفجار، المئات بل الالاف من مستخدمين الفايس بوك المصريين، يتدفقون عبر صفحات عديده - كلها غير عربيه- ويتركون سيول من التعليقات الساخره والخفيفة الظل بالعربيه، وصولا لصفحة أوباما نفسه والخارجية الامريكيه، دون أتفاق او سابق ترتيب، المصريون يعملون معا في كرنفال غريب على الفايس بوك لتأكيد الذات، الفرح بالقدرة على الفعل المشترك، الانبهار بالقدرة على الفعل، كانوا شبابا يلوحون ويصرخون بفرح للعالم كله: شايفنا، احنا اهوه، احنا اهوه.


تلك كانت البهجة،تلك كانت روح الفعل الاكثر خطورة على استقرار النظام، تلك الروح كان يجب قتلها، ولم يكن يمكن قتلها لا بالرصاصة ولا بالخرطوش- مع وفرتها- كان يجب قتلها بالإحباط، بإغراق الجميع في الاكاذيب والالاعيب السياسية التي تنسجها ساحرات شمطاوات خضراوت الجلد تتناقضن مطلقا مع الرومانسية الطفولية البريئة لمن أمنوا ب 25 يناير، كنا أبرياء، حقيقة، كأطفال يخرجون للعالم للمرة الاولى بأعين مليئة بالدهشه وشفاه تتفجر بالهتاف، الإحباط اننا ندرك سقوط برائتنا، موتها، فقد سممت بالغاز وضربت بالرصاص والخرطوش وعريت وكشف على عذريتها، برائتنا ماتت وسط الالاعيب والاكاذيب والاوهام ، ندرك اننا لكي ننتصر علينا ان نستعير من اعدائنا انيابهم المسنونه ومخالبهم القاتله، لنصير وحوشا نحن أيضا، لكننا لا نملك الشجاعة الكافيه لنكون، فننزوي ببطء ونتحول لكائنات (مدلدله) متهاويه، يائسه، انتحاريه، هذا الجيل لن يمكنه إنجاز ثوره، وهو يعلم، هذا الجيل سيقتل نفسه بالإحباط، وانتم سيكون عقابكم العقم، ان يموت مستقبلكم أمامكم منتظرا ربما خرابا يطيح بكل شىء حتى بإحباطه.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق