الأحد، 2 مارس 2014

ما الذي يحدث في اوكرانيا...لقاء مع أناركي روسي

ميخائيل هو شيوعي-اناركي روسي على إتصال قوي بالحركات الاناركيه والثوريه في اوكرانيا، في هذا الحوار يوضح كثير من النقاط حول الثوره الاوكرانيه والتدخل الروسي ويصحح كثير من المفاهيم المغلوطه الرائجه إعلاميا.

* بداية ما هي حركة (ميدان) وما رأيك فيما يشاع أنها حركة يسيطر عليها اليمن القومي الفاشي كل ما تسعى إليه هو انضمام اوكرانيا للإتحاد الاوروبي؟
- يجب ان نبدأ بأستعراض الخلفيه السياسيه والاقتصاديه للثوره الاوكرانيه، اوكرانيا ككل تعاني من انهيار وانكماش اقتصادي منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي في 1991، وثورة 2004 البرتقاليه لم تؤدي ﻷي تحسن ملموس لا اقتصاديا ولا سياسيا، أما الرئيس الاوكراني الذي اسقطته الثوره (فيكتور يانوكوفيتش) فقد أوصل الحالة لمستوى جديد من السوء فللرجل تاريخ إجرامي قديم،وقد سجن في عهد الاتحاد السوفيتي مرتين ﻷسباب جنائيه، وهو ينحدر من عائلة متورطة بعمق في الجريمة المنظمه متحالفة مع عائلات اخرى للجريمه المنظمه، الامر يشبه تحالف عائلات المافيا في فيلم (الأب الروحي) هذا التحالف المافيوزي سيطر تماما على اوكرانيا خلال عهد يانوكوفيتش حيث بلغ الفساد مستويات مخيفه، وسيطرت تلك العائلات على كل شىء في البلاد خاصة جهاز الشرطه، حتى رجال الاعمال لم يفلتوا من بطشهم وفسادهم، كان تلفيق القضايا وسجن الناس للأستيلاء على أعمالهم ومشاريعهم سلوكا شبه اعتياديا تحت حكم يانوكوفيتش، إذا هو الفساد السياسي، الانهيار الاقتصادي هو ما دفع الشعب للثورة على يانكوفيتش.

*وماذا عن حركة (ميدان) وسيطرة اليمين المتطرف عليها؟
أعلم ان بعض التيارات اليسارية تنشر معلومات عن حركة (ميدان) الاوكرانية بأعتبارها حركة لليمين المتطرف، وهذه ليست سوى اكاذيب، نعم في (الميدان) يمكنك ان تجد حركات تقع تحت نفوذ تنظيمات يمينية متطرفه، غلا ان الأغلبية المطلقة للمشاركين في (الميدان) لا ينتمون ﻷي مجموعة سياسيه، هو تحالف واسع بين مئات الالاف من الاوكرانيين الذين يشتركون في اتخاذ القرارات ويشكل بعضهم مليشيا حماية (الميدان)، واود ان أشير لحوار مع الصحفي الاوكراني الشهير "مصطفى نعيم" وهو من أصول باكستانية ومن اكثر مناصرين (ميدان) شعبية وهو يستعرض كيف ان المتظاهرين يشكلون نظاما جديدا للسلطة بأوكرانيا يختلف عن النظام البرلماني القائم ع الاحزاب حيث يمارسون ديموقراطية شعبية مباشره، ويطورون اجندة خاصة ب (ميدان).
بالطبع هذا النظام ليس كاملا ولا يغطي كامل تعداد الكادحين بأوكرانيا، بالإضافة لذلك فإن اللامساواه في الملكيه ما زالت قائمه، فالحركة الثورية لم تنتقل للمصانع وما زالت السلطة في يد عائلات الطبقه الحاكمه الضيقه المحليه (الاوليجاركيه) في كثير من المناطق، إلا ان (ميدان) تبقى تجربة عظيمة للديموقراطية المباشره، ببساطة حتى لو فشلت هذه الحركه فإنه علينا ان نتذكر الشىء الاساسي وهو انه ليس لدينا سوى الطبقه العامله (البروليتاريا)، والتي تحتاج لكي تصل لإنتاج مجتمع ذاتي التنظيم بلا طبقات ستحتاج لسنوات عديدة والعشرات من حركات (ميدان) الجديده، فما نراه الان ليس سوى مرحلة إنتقاليه، والبعض يقول انه لو لن تحقق ميدان الثانيه (بأعتبار ان الاولى كانت في 2004- المحرر) فإننا سنرى في خلال عام او نحو ذلك حركة (ميدان) ثالثه طبقية الطابع هذه المره، ربما يكون هذا التوقع مغرقا في التفاؤل إلا انني لا اشك في انها أتيه، ربما بعد فترة أطول قليلا من عام واحد.

* ماذا عن مليشيا (ميدان) المسلحه؟ وكيف امكن للمتظاهرين هزيمة قوات الشرطه؟ ولماذا عجزت تلك القوات عن فض الميدان؟
- الحقيقة يوجد الكثير من المبالغه في مسألة تسلح مليشيا (ميدان) للأسف فإن اغلبيتها الساحقه مسلحة فقط بالهراوات والدروع والخوذات وزجاجات المولوتوف، والسلاح اقل بكثير مما نتمنى معهم، ما ساعدهم على الانتصار هو تماسكطهم وتطويرهم لتكنيكات التظاهر المعتاده، فبدلا من إلقاء بضع زجاجة أو أثنتين من المولوتوف والانسحاب كما اعتاد المتظاهرين الاوروبيين ان يفعلوا كان الاوكرانيين يعملون في مجموعات متعاونة ما بين حملة لدروع الحمايه وبين من يلقون زجاجات المولوتوف بالعشرات في عاصفة من النار لا يمكن مقاومتها، كما انهم أستخدموا الالعاب النارية بكثافة شديده فيما يشبه قاذف صواريخ بدائي ضد رجال الشرطه، وحين بدأت القوات الخاصة للشرطة الاوكرانيه في أستخدام الاسلحه الناريه أصدر متظاهرين (ميدان) ندائا لمالكي الاسلحه الناريه للحضور للتظاهرات والرد على نيران الشرطه، وهو ما حدث وقتل حوالي عشرة رجال شرطه وهو ما ادى لإنسحابهم وتخليهم عن مقاومة التظاهرات، طبعا كان يمكن للشرطة ان تقوم بمذبحة لفض التظاهرات إلا ان ما ردعهم هو تأكدهم ان مثل هذه المذبحه ستؤدي فورا لأندلاع انتفاضة مسلحه في بلد يوجد فيه على الاقل 2 مليون سلاح شرعي مرخص.

* لماذا لم يتم الإستعانه بالجيش الاوكراني في فض التظاهرات ومواجهة (ميدان)؟ ولماذا لم يتدخل الجيش الاوكراني على الإطلاق؟

- اولا يعاني الجيش الاوكراني بحدة من التفسخ الداخلي بسبب تفشي الفساد فيه مما يجعله قليل الفعالية عموما، ثانيا للجيش الاوكراني طبيعة خاصة حيث يتم مركزة المجندين في نفس مناطق سكناهم فمثلا مجندين كييف يقضون تجنيدهم في منطقة كييف، وهكذا، وعليه فإن أمر اي وحده عسكريه بالتدخل ضد المتظاهرين هي في الواقع امر لهم بقتل جيرانهم واقاربهم وهو ما كان سيواجه بالرفض من الجنود، وحتى حين حاول نظام "يانكوفيتش" تحريك وحدات من شرق البلاد (ذات أغلبية ناطقه بالروسيه- المحرر) قامت عائلاتهم والنشطاء السياسيين بالأحتشاد في محطة القطار واقنعوا الجنود بعدم الذهاب للعاصمة كييف لقتلهم أخوتهم.

* ماذا عن تقارير منتشرة حول منع اللغة الروسيه بأوكرانيا وحل الحزب الشيوعي الاوكراني وبدء حملة معادية للروس؟ وما الذي يخيف ذوي الاصول الروسيه من حركة (ميدان)؟
-تلك مجرد دعايه روسيه حكوميه ومبالغات، البرلمان الاوكراني مجرد أعتبر اللغة الاوكرانيه هي اللغة الرسميه للدوله، ستظل الروسية مستخدمة في الصحف والتعليم لكن المكاتبات والوثائق الرسمية لابد ان تكون محررة بالاوكرانيه، الفكرة ليست قمع الروس، مجرد ميول قومية غبية معتاده من البرجوازيه، إلا اننا لا يجب ان نبالغ في الميول القومية للحكومة الاوكرانيه الجديده وفي نفس الوقت لا يجب الإسنهانة بها، أما عن الحزب الشيوعي الاوكراني فهو حزب من يعانون من نوبات الحنين للماضي السوفيتي، لا يزيد اعضائه عن المليون عضو وله 32 مقعدا في البرلمان ( من مجموع 449 مقعدا- المحرر) والحزب مشهور بفساده السياسي الكبير وتلقيه الرشاوي ودعمه لكل القرارات القمعية للرئيس السابق ولفساده السياسي، ورغم ذلك فالحزب لم يتم حله او تجريمه وما زال جزء من البرلمان.

* ماذا عن دور الاناركيين الاوكرانيين في حرة (ميدان)؟
- الحقيقة ان الأناركيين الاوكرانيين لا يتجاوز عددهم بضع مئات موزعين على عدد من الحركات، إلا انهم اشتركوا بنشاط في التظاهرات وسقط ثلاثة منهم قتلى على يد القوات الخاصة للشرطه.

* هل ما تزال حركة (ميدان) صامده؟
- بالتأكيد ما تزال صامدة ونشطه ونشير الى ان المتظاهرين رفضوا ترك الشوارع بعد هروب الرئيس السابق "يانكوفيتش" وما زالوا يحتلون وسط كييف ومبانيها الحكوميه، وبتحييد قوات الشرطه فإن مليشيا (ميدان) تمثل القوه المسلحه الوحيده بالعاصمه تقريبا، وأختير فعلا أعضاء من الحركة كوزراء في الحكومة الجديده، وهي تفرض على الحكومة الجديدة أن لا تصدر أي قرارات إلا بموافقة المتظاهرين عليها، غلا ان (ميدان) تبقى بعيدة عن ان تكون حكومة ثوريه، او حتى تشابه ما مثلته (كوميونة باريس) خلال الثوره الفرنسيه كقوة ضاغطه تشكل التوجه العام للبلاد فالوضع الحالي هو وجود برلمان قائم وحكومة مختلطة من احزاب المعارضة التقليديه وحركة (ميدان)، وبداية صراع قوة ما بين الحكومة والثوار، والحقيقة انه لا توجد سيطرة ﻷي أحزاب على المتظاهرين، وأشير هنا إلى حادثة توضح حجم تأثيرهم فحين أتى زعماء المعارضة للميدان بأتفاقهم مع "يانكوفيتش" قبل هروبه أجبرهم الثوار على الركوع أمام المتظاهرين والاعتذار عن تورطهم في التفاوض مع ذلك الطاغيه القاتل، إلا ان الصراع ما زال في بدايته فقط، فعلى سبيل المثال في مدينة "كريفي-ريه:" الصناعيه أستطاع النشطاء السياسيين السيطرة على اللجنة التنفيذية للمدينه تماما فحركت الطبقة المسيطرة بالمدينه الفلول (ويسمون بالاوكرانية تيتوشكي) ناقلة أياهم بالأتوبيسات العامه لمواجهة النشطاء الثوريين والوضع بين الطرفين شديد التوتر وينذر بالصدام العنيف في اي وقت، وهذه المدينة هي المدينة الكبيرة الوحيدة في جنوب شرق اوكرانيا التي استطاع الثوريون فيها ليس فقط الحفاظ على سيطرتهم فيها بل وتقويتها ودعمها.

*وماذا عن مطالبة الاوليجاركية الحاكمه بالتنازل عن 10% من ثرواتها لصالح سداد الإستحقاقات الإجتماعيه للحكومه؟ البعض يرى ذلك موقفا تصالحيا لا ثوريا.
- يجب ان لا ننسى أن هذه ليست ثورة اشتراكيه ولا طبقيه، بل مجرد أناس بسطاء سياسيا بلا وعي أيدولوجي، غلا اننا نرصد ظهور ميول اشتراكية وسط حركة (ميدان) وبدء مناقشات مبدئية حول الموقف من الملكية الخاصة والثوره، وأؤكد على ضعف نفوذ الحركات اليسارية وسط المتظاهرين، هؤلاء أناس يبدأون أكتشاف طريقهم بأنفسهم
إلا انني أريد التأكيد على مميزات حركة (ميدان) التاليه:

1- المتظاهرون لم يذهبوا لبيوتهم بعد هروب الرئيس السابق وما زالوا يسيطرون على المباني الرسميه وعلى الحكومة بالديموقراطية المباشره.
2- ما زالت الحركه تتمتع بحماية المليشيا المسلحه المنبثقة منها.
3- المتظاهرون يمارسون الديموقراطية المباشرة ويطورون أدائهم فيها.

4- بروز نقاشات حول الإشتراكيه والملكيه وسط المتظاهرين.

* أبقيت الموضوع الأكثر سخونة للنهايه، التدخل الروسي في اوكرانيا، كيف ترى اسبابه؟
- للتدخل الروسي بأوكرانيا في رأيي ثلاثة أسباب هي :
1- حلم إعادة بناء الإمبراطوريه الروسيه الذي يسيطر على نظام بوتين، وتاريخيا تكونت نواة الإمبراطورية الروسية من : روسيا وروسيا البيضاء (بيلوروسيا) وأوكرانيا، فدون الاخيرة تبقى الإمبراطورية ناقصة وغير مكتمله.
 

2- الضعف الشديد الذي تعاني منه اوكرانيا حاليا يثير شهية الحكومة الروسيه لتكرار تجربتها بجورجيا حيث عملية عسكرية محدودة سريعه منخفضة التكاليف تحقق نجاحا كبيرا يرفع الاسهم السياسية للنظام، الامر شبيه بحسابات صدام حسين في غزوه للكويت، وفي حالة لم يواجه التدخل الروسي في القرم اي مقاومة فأنا ارجح ان تنفتح شهية نظام بوتين لمزيد من الاراضي الاوكرانيه.

3- بوتين مرتعب فعلا من الثورة الاوكرانيه التي غالبا ما ستمتد نيرانها لروسيا، خاصة فكرة العصيان المسلح ضد طاغيه فاسد وهو ما يقدم نموذجا مهما للروس من شعب يرونه الأقرب إليهم طبيعة وتاريخا، لذلك فمن مصلحة بويتن تدمير تلك الثورة بالغزو وتشويهها بأتهامها بأضطهاد الروس الاوكرانيين، تلك الحرب هي أنقاذ لنظام بوتين.

* كيف ترى أحتمالات تطور التدخل الروسي وكيف قد تكون أهدافه؟

- للتدخل الروسي في القرم احتمالات متعدده:
1- أقواها - في رأيي- هو أحتلال لمواقع استراتيجية في القرم لدعم إستقلال شبه الجزيرة عن اوكرانيا، وفي نفس الوقت دعا برلمان القرم لتنظيم أستفتاء حول استقلالها، مما سيكون جمهورية قرم مستقلة تابعة لروسيا في استقلال أسمي.
2- الاحتمال الاقل قوه هو ما يناقشه البرلمان الروسي ( حيث لبوتين سيطرة كاملة على كافة الاجنحه السياسيه بما فيها الحزب الشيوعي) من إمكانية قبول القرم رسميا كعضو في الفيدرالية الروسيه وهو ما يعني عمليا ضمها لروسيا الاتحاديه.
3- وهو الاحتمال الاقل أن يؤدي عدم مقاومة التدخل العسكري الروسي في شبه جزيرة القرم ﻷي مقاومة غلى تقدم الجيش الروسي واحتلاله المزيد من الاراضي الاوكرانيه.




-



هناك تعليق واحد:

  1. مشكور يا رفيق و أخيرا لقيت شرح واضح مفصل عما يجري في أوكرانيا

    ردحذف