الأربعاء، 17 سبتمبر 2014

في مديح الخراب




في محطة الرمل بالإسكندريه بجانب إدارة كلية الطب على الترام محل ضخم يمكن تصنيفه Department store مكدس بالبضائع المتنوعه بداية من المشروبات وصولا للأجهزه الكهربائيه المعمره، المحل الضخم والذي يمتد عمقا بطول شارع كامل، تابع لجهاز الخدمة العامه الخاص بالقوات المسلحه، والتبضع فيه مقصور حصريا على عائلات ظباط القوات المسلحه، حيث تباع لهم البضائع بأسعار خاصه تختلف عن اسعار السوق، كلما مررت أمام ذلك المتجر الضخم الثري ببضائعه والمزدحم عادة بزبائنه تذكرت الجملة الخالده التي تطرح بصياغات عديده : (مش أحسن من سوريه وليبيا)، ( مش أحسن من سوريه والعراق)، (مش أحسن من سوريه وليبيا والعراق)، أو بصيغة طنطاوي الخاصه التي نطقها في سياق حديثه مع رئيس أركانه (سامي عنان) وقت حكم المجلس العسكري : مش أحسن ما نبقى زي اللي حوالينا؟ ولا ايه يا سيادة الفريق، وهز سيادة الفريق رأسه مؤمنا.

مبدئيا لنذكر بأختصار ما هو معروف ومعلوم ومشهور وقريب وغير قابل للنسيان- وهذا من ضرورات الكتابة في مصر المصابة بفقدان ذاكرة دائم- عن ما حدث بسوريه وليبيا والعراق، في كل من سوريه وليبيا شن الجيش – الوطني – حرب إبادة دموية مستخدما كل أسلحته ضد مظاهرات الشعب الثائر موقعا خسائر بالالاف، مما ادى في ليبيا لتسلح الشعب وشنه حربا مضادة على ذلك الجيش – الوطني- أدت مع تدخل دولي لتدمير ذلك الجيش والقضاء عليه، لتدخل بعدها الفصائل السياسيه في حربا اهليه بطيئة الريتم عمياء المسارات تليق ببلد حرمت من أي نشاط سياسي أو فكري طوال تاريخها تقريبا، في سوريه شن الجيش - الوطني- نفس الحرب الدمويه القاتله بمستوى من البشاعه أدى لتصدعه هو نفسه وأنقسامه لعصابات متحاربه تعاني من العماء الأستراتيجي والسذاجه التكتيكيه فلم يكن من الصعب أستيعابها وسط الجيوش الخاصه ﻷمراء الحرب التي تتغذى على تجارة النفط الغير شرعيه لتغرق سوريه في مستنقع حرب اهليه كئيبة تافهه لا أفق لها.

أما العراق فهو قضية مختلفه ولا ادري كيف يمكن لتلك العقول التي أبتلينا بها في الجيش والإعلام- البوق الرسمي للأجهزه الامنيه- ان تضعه في نفس السله مع سوريه وليبيا، ففي العراق كان الجيش – الوطني- جزء أساسي من الأله القمعيه السلطويه لحزب البعث العراقي، وهو يختلف في موقعه عن الجيش في كلا من سوريه وليبيا، فبينما الجيش هو الحاكم الفعلي في سوريه والبعث السوري ليس سوى العوبة للجنرالات، والجيش الليبي لم يكن سوى مليشيا شبه نظامية تابعة لأسرة القذافي وقبيلة (القذاذفه) المختلقه، فإن الجيش العراقي لم يكن سوى الذراع العسكري لفاشية حزب البعث وقائده الملهم (صدام حسين)، لكن السلطة كانت للرئيس وللحزب وللتكريتيين من بعد ذلك، الجيش العراقي – الوطني- كأداة البعث القمعيه الأساسيه- أمتلك الحزب مليشياته الحزبيه المدنيه المسلحه الخاصه- لم يتورع عن التحول ﻷلة قمع دموية مرعبه ضد العراقيين ليشن حرب إبادة على الشيعه في الجنوب والأكراد في الشمال منتصرا عليهما بعد هزيمته الساحقه في عاصفة الصحراء، وبعدها خان ذلك الجيش – الوطني- وطنه ببساطه مسلما عاصمته بدون قتال تقريبا ومتحولا لشبح ذاب في الهواء دون أثر هو وأسلحته وجنرالاته.
هنا نقف لنتسائل : أي مصير بالتحديد تحذروننا منه بالتحديد ؟ مجزرة الجيش ضد الشعب الثائر وتدمير الوطن ككل كما بسوريه وليبيا، ام خيانة الجيش لشعبه وتسليم البلاد لمحتل أجنبي؟ أيها الساده ماذا تقصدون تحديدا؟ المذبحه او الخيانه؟

الحقيقه ان التحذير من مصير سوريه وليبيا والعراق...إلخ عندما يأتي من كبار جنرالات الجيش ومن كبار المسئولين بالدوله وحين يردده الإعلام الناطق بلسانهم فإنه يحمل معنى التهديد المباشر، نصف المبطن/نصف الصريح، لو ثرتم علينا سنشن ضدكم حرب إباده وندمر البلاد فوق رئوسكم ونقصف المدن ونقتل عشرات الالاف منكم.

لكنني ما زلت واقفا أمام المتجر العملاق المكدس بالبضائع والتابع للجيش، أتخيل عشرات مثله، بل مئات وربما الاف تنتشر في طول مصر وعرضها، متاجر ضخمه مكدسة بالبضائع ومخصصة حصريا لعائلات ظباط القوات المسلحه، ولو اني نظرت ناحية الشرق وكان بصري بقوة بصر زرقاء اليمامه لرأيت بعيدا فنادق وكافتريات ومطاعم ونوادي تنتشر على طول كورنيش الإسكندريه تابعة للجيش ولذيله الأنجس (الداخليه)، الحقيقه أنا أتعجب، أي سوريه وليبيا تلك التي تخوفوننا بها؟؟ حين تقصفون المدن الثائره فكيف ستضمنون الا تضرب قنابلكم وقذائفكم تلك المتاجر الغنيه، وتلك الفنادق الفاخره وتلك الكافتريات والمطاعم المتناثره في كل مدينة من مصر؟ حين ستسلطون علينا لو ثرنا قوتكم القاتله وتخربون مدننا لأننا تجرأنا وثرنا على طغيانكم، فكيف ستأتون بالبضائع لتلك المتاجر؟ وكيف سيأتي الزبائن إليها؟ من سينزل بتلك الفنادق ويعمر الكافتريات والمطاعم لو حل الخراب على كل شىء؟ من سيذهب لتموين سيارته من محطات (وطنيه) تحت القصف؟ بل كيف ستوصلون المواد البتروليه إليها وسط مدنا مدمره وقتال مستعر؟ بل الداهيه الكبرى حين ستضطرون لسحب المجندين الذين يعملون بالسخرة – الوطنيه- في مصانعكم ومزارعكم وتدفعون بهم لمواجهة الشعب الثائر، من لمزارع الدواجن؟ ومن لحلب الابقار وتعبئة المياه والزيت؟ من لمصانع الأسمنت وشركات المقاولات؟ من لخبز الكعك والغريبه والجاتوه؟ ستتركون كل تلك المنشأت الصناعية والزراعية والتجارية خربة ينعق فيها البوم وتدفعون بالعبيد المرتدين للكاكي لذبح الشعب ؟ أي خراب ذلك ؟ وكم حجم الخسائر الاقتصاديه التي ستصاب بها مؤسستكم الأقتصاديه العملاقه بسبب حرب أهليه دمويه تهددون بشنها على الشعب حين يثور عليكم؟ ثم أي مصيبة ستصيب الظباط الأصاغر حين يحرمون من نسبة 10% من الدخل الأقتصادي لوحداتهم حين سيتوقف ذلك الدخل؟ ومن سيعوضهم عن خسائرهم نتيجه لتوقف شراء الجنود من (الكانتين)؟
مصائب لا أخر لها، وخراب أقتصادي غير مسبوق
نحن نعلم ان العسكر المصراليه لا يختلفون في شىء عن الجيشين السوري والليبي، جربنا دمويتهم وقسوتهم وكراهيتهم للشعب مرات عديده، كانت ذروتها المذبحة المروعه في أعتصام رابعه، نعرف انكم قادرون على ممارسة الذبح والتدمير أفضل حتى من الجيش السوري، لا شك في ذلك.
لكنني ما زلت اقف أمام متجركم الكبير، تبرق عيناي بلمعان بضائعه الثمينه المكدسه، أتخيله حين سنكون سوريه وليبيا خراب محترق متفحم، وافكر: أي الطرفين يجب ان يحذر الأخر من ليبيا وسوريه؟ الشعب ام العسكر؟

هناك تعليقان (2):

  1. مقال رائع اخ ياسر عندنا في الـمـ(هـ)ـلكة السعودية جاوبنا السؤال بسؤال هل فعلا ستقتلوننا وتغتصبون نسائنا وتدمرون بيوتنا اذا انتم مجرمون مثل بشار وتستحقون الثورة عليكم فتلاشا سؤالهم الغبي

    رغم ان السلول يستاهلون لعنات اهل الارض مجتمعين

    ردحذف
  2. الحقيقة اني شايف خراب على دماغهم قريب جدا ..خاصة وانهم مجموعة من الصيع المتهورين الجهلة وتاريخهم العسكري يثبت ذلك...,ومثلما تم تفكيك جيش صدام بالتليفونات لقياداته من امريكا سيتم نفس الشئ للجيش المصري..

    ردحذف