الأربعاء، 1 أكتوبر 2014

على ضفاف نهر الجنون

مقالتي لمجلة البديل التحرري الأناركيه الفرنسيه عدد نوفمبر القادم.

كيف يمكن الحديث عن مصر الأن؟

هل يمكنك ان تتخيل نسخة كوميديا سوداء من رواية جوروج اورويل 1984؟

توفيق الحكيم،هو واحد من اهم الكتاب المسرحيين العرب بالقرن العشرين،له مسرحية قصيرة بعنوان : نهر الجنون، عن مملكة تسمم نهرها الوحيد مما اصاب سكانها جميعا تقريبا بالجنون، هذه هي مصر الأن، تعالوا معي في رحلة بالبلاد التي على ضفتي نهر الجنون.

إعتاد الإعلام المصري الرسمي بعصر مبارك نفاق النظام، وتجميل أفعاله،ونشر الأكاذيب عن الرخاء والوفره القادمين قريبا بسبب ذلك المشروع أو ذاك، ذلك طبيعي في اي بلد يحكمه نظام ديكتاتوري بوليسي شبه عسكري، اما في عصر السيسي فقد بلغنا افاق جديده في التزييف الإعلامي لم تخطر على بال (جوبلز) نفسه، ليس فقط الصحف القوميه المملوكه للدوله، بل الصحف والفضائيات الخاصه، ومئات الصحفيين والإعلاميين والكتاب والمثقفين من أقصى اليمين الليبرالي وصولا ﻷقصى اليسار الماركسي يعزفون جميعا معزوفة واحده:
عبد الفتاح السيسي، القائد العظيم الملهم، البطل الذي أنقذ مصر، الزعيم الجبار الذي ترتعد فرائص الولايات المتحده منه والذي يهابه العالم كله ويراه أخطر وأهم رجل بالشرق الأوسط، وكيف انه أمل مصر الوحيد والتاريخي، وكيف ان الاقتصاد المصري يقفز قفزات كبيرة للأمام وان كل أزماته قد انفرجت وانتهت، وان مصر تدخل عصر إزدهار اقتصادي ووفرة لا مثيل لهما بتاريخها الحديث، اختفت تماما ومطلقا أي همسات ولو ناقدة او معاتبه، وحتى هذا المستوى من النفاق المطلق للدوله ليس بكاف، فالجنرال السيسي يعبر في أحد خطاباته عن غضبه على الصحف التي سخرت من رئيس وزرائه- وليس هو شخصيا فهو مقدس لا يمس- بسبب الحاله الكارثيه لإنقطاع التيار الكهربائي المستمر، وتستمر السيمفونيه العجيبه تتحدث عن عصر الحريه الرائع الذي تعيشه مصر تحت حكم الجنرال المعجزه، وكيف ان مصر تخوض حربا ضروسا ضد الإرهاب وأن علينا كوطنيين شرفاء أن نتوقف عن المطالبه بأي حقوق اجتماعيه ونتحمل من أجل وطننا الغالي، نعم ، تم تفعيل الوطنيه في هستيريا جماعيه لم توجد حتى بأكثر فترات الستينيات الناصرية جنونا، فكل أعتراض او نقد هي خيانه وأنحياز لأعداء الوطن، وكل أجنبي يأتي مصر هو عميل للمخابرات الامريكيه والبريطانيه والفرنسيه والتركيه والقطريه.

أما الحقيقه فهي النقيض، فالشارع المجهد والمحبط بعد فشل كل محاولة لتكرار أنتفاضة 25 يناير 2011 الشعبيه، والغارق في الخوف من الإرهاب وأنهيار الدوله ودخول (داعش) وان نصبح مثل سوريه والعراق- الجمله الأكثر شعبية الان بالإعلام المصري: نحن افضل من سوريه والعراق- هذا الشارع المحبط والمجهد واللامبالي يتلقى الصدمات المتتاليه من النظام دون أن يبدو راغبا في الاعتراض، فقد تم تخفيض دعم السلع الغذائيه لبديل نقدي لا يتجاوز الدولارين للفرد شهريا،وارتفعت أسعار المحروقات مما رفع أسعار كل السلع بالتبعيه، ورفعت أسعار الكهرباء والمياه وتكلفة الاتصالات، التيار الكهربائي ينقطع عن أغلب المدن المصريه يوميا تقريبا لفترات تتراوح ما بين الساعتين إلى العشر ساعات، وكثيرا ما يصحبه أنقطاع للمياه كذلك، منذ أسبوع حاول عمال احد المصانع الخاصه بالإسكندريه الإعتراض على تأخر رواتبهم فأطلقت الشرطة عليهم النار مصيبة سته ومعتقلة ثمانيه، النظام يتعاقد مع شركة أمريكيه لإحكام المراقبه على مواقع السوشيال ميديا، رؤساء الجامعات يبشروننا بأن الجامعات ستستقبل الطلبه بالعام الدراسي الجديد وقد تحولت لمعتقلات حقيقه، بأسوار من الأسلاك الشائكه وبوابات إلكترونيه،وكاميرات مراقبه، وشركات حراسة خاصه مصريه وأجنبيه مدعمة بالكلاب المدربه، مع تهديد بفصل أي طالب أو عضو هيئة تدريس يتهم بالتظاهر أو يوجه إهانة للجنرال المقدس، لكننا نعيش عصر حرية غير مسبوق كما يؤكد لنا الإعلام والمثقفين.


الدوله نفسها تبدو كأنما أصابتها الهستيريا، فوزير التعليم يصرح ان وزارته بنت مصانع لإنتاج الألواح الشمسيه والمصابيح الموفره للطاقه، بينما تعجز عن طباعة الكتب المدرسه التي لن يتسلمها الطلاب إلا بعد أسبوعين من بدء الدراسه،وتعاني اغلب المدارس المصريه من الإزدحام وتصدع مبانيها، وكيل المخابرات السابق يحذر في حوار صحفي من مؤامرة على الدوله بطلتها (عروسه ماريونيت) تظهر بإعلانات شركة أتصالات محليه، ومحاكم تنعقد في( أكاديمية الشرطه) يصدر قضاتها أحكاما تعسفية دون حضور المحامين ودون أدلة أو التزام بأدنى الإجراءات القانونيه، ومع عدم وجود برلمان بمصر – ويبدو ان لا احد يتعجل وجوده- يمارس السيسي سلطات لا نهائيه كرئيس و ك Lord Protector وكمصدر للتشريع، بينما تقوم الأله الاقتصاديه العملاقه للجيش بالسيطرة على كل نواحي الأقتصاد المصري بشراهة مذهله محيلة البلاد كلها لإقطاعية خاصة بالجنرالات وظباطهم. يبدو الشارع مصدوما ومحبطا لدرجة اليأس، فهو يدرك انه لا توجد قوة يمكنها التصدي للجيش الذي أثبت وحشيته الدمويه في مجزرة فض أعتصام (رابعه)، وبينما يتلاعب الإعلام بعقل رجل الشارع ليل نهار، فلا يبدو أنه توجد أي فكرة سياسية مطروحه في الشارع كبديل لهذه الصوره الكاريكاتيريه الشوهاء لحكم الديكتاتوريه العسكريه، فقط تحذير عبثي من أن لا نتحول لسوريه او العراق.

أعتذر للقارىء الذي كان يتوقع من هذا المقال تحليل سياسي أو أيدولوجي متعمق، ففي بلاد تتغذى على الجنون لا يوجد ما هو جدي أو صلب بما يكفي لتحليله، فقط هذه السورياليه المظلمه الشائهه المسماه: مصر.

ياسر عبد القوي

الحركه الاشتراكيه التحرريه- مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق