الاثنين، 6 أكتوبر 2014

المزايدة على المزايدة



تأسيس: في عتمة الديماجوجيا التي نتعامل بها مع القضية الفلسطينية، من الصعب أن تفرق ما بين المواقف القومية الأصل وما بين المواقف الإسلامية الأصل، كما يصعب في عكارة (الترعة) أن تفرق ما بين البطن الاخضر للبلطي البلدي والبطن الأحمر للبلطي المستورد.


 من تعس الحظ في هذا الشرق الأوسط أن تجد نفسك في موقف الدفاع عن اليسار السلطوي العربي، رغم أنك قضيت حياتك كلها تقريبا تناوئه وتعارضه- من على يساره، وليس من على يمينه- إلا أن الموقف ليس دفاعا عن ذلك اليسار، بل دفاع عن (الحقيقة) التي تغرق في عكارة مهندسة عمدا ومحكمة الصنع على يد كاتب يمتلك أدواته كالأستاذ وائل قنديل رئيس تحرير جريدة العربي الجديد، والمنشور مقاله في عدد الاثنين 6 أكتوبر، عن زيارة الصحفية الإسرائيلية (عميره هاس) إلى جامعة بيرزيت وحادثة طردها منها. أولا يبدأ الكاتب بمهاجمة اليسار العربي وموقفه من القضية الفلسطينية، وهو الشىء العجيب من كاتب ذو جذور ليبرالية- لا أعرف انتمائه الأيدولوجي الحالي- فلا يمكن في الحقيقة المزايدة على موقف اليسار السلطوي العربي– الماركسيين والناصريين تجاوزا- من القضية الفلسطينية، فقد شغلت هذه القضية دورا محوريا مركزيا دائما في الحراك السياسي اليساري يفوق بمراحل حتى القضية الطبقية- التي هي القضية الأساسية ﻷي يسار- فقد كانت دائما هي المقدمة والركيزة والمحور. -دعك من تلميحات الخبثاء أن الدافع لذلك هو الشيكات المتخمة التي كانت تمنحها منظمة التحرير كرواتب شهرية-، بل إن انتماء اليسار العربي وولعه بالقضية الفلسطينية يسبق الولع الإسلامي بها– دعك من تلميحات الخبثاء أن الإسلاميين قزموا القضية الفلسطينية لقضية غزاوية باعتبارهم حماسستان الامتداد الأيدولوجي لهم- الحقيقة أن الفصيلين رغم ما بينهما من صراع وعراك تاريخي يتحدان ويتشابكان في موقفهما من القضية الفلسطينية لدرجة مدهشة، بنفس المقدار من الحماسة والديماجوجية والتشدد، وعليه فإن قضية المزايدة على موقف اليسار من فلسطين هي قضية ليست فقط خاسرة، بل ومضحكة.

 ومن اليسار العربي إلى اليسار الاسرائيلي الذي حقيقة لا أثق فيه وأجده شديد التقارب مع الصهيونية كأيدولوجية (قومية/دينية)، بداية من، حزب العمل يمينا وصولا للحزب الشيوعي الاسرائيلي يسارا. لكن اليسار السلطوي الاسرائيلي ليس الوحيد بالمنطقة المصاب بالمرض (القومي) فذلك الوباء يتفشى بقوة وسط اليسار السلطوي بالشرق الأوسط كله، وهو عموما لا يراه مرضا، بل يعتبره جزء أصيل من قناعاته وتكوينه،
 لكننا لن نغرق في مقال تشريحي عن اليسار الشرق أوسطي وأمراضه التاريخية.

يقول الأستاذ وائل قنديل في مقاله إن طلاب جامعة بير زيت هم من طردوا (عميره هاس) من الجامعة، وأنا أسأل بوضوح: هل طردها طلاب جامعة بير زيت أم طردها تحديدا طلاب الكتلة الإسلامية في جامعة بير زيت؟ لنحدد أن الموقف هو موقف الإسلاميين أيدولوجيا وليس موقف (الطلاب) عامة، خاصة أن الجامعة أصدرت بيان اعتذار عما أسمته فعلا فرديا. والحقيقة أن من طردوا عميره تعللوا بقاعدة جامعية تمنع استضافة كل من يحمل الجنسية الإسرائيلية، هكذا؟ وماذا عن زيارات سابقة لعميره للجامعة نفسها؟ وماذا عن زيارات محمود درويش (عضو الحزب الشيوعي الاسرائيلي) وسميح القاسم للجامعة وكلاهما حمل الجنسية الاسرائيلية وقت الزيارة؟ أم أن المشكلة ليست في الاسرائيلي، بل في (اليهودي)؟ لا أظن ذلك.

 وهنا نعود للقنبلة التي يلقيها الأستاذ وائل قنديل في مقاله...
 “ولو كانت الصحافية مع الحق الفلسطيني فعلاً، لما تباطأت لحظة في التخلّص من "إسرائيليتها"، كما فعل يهود آخرون انحازوا لإنسانيتهم وأقرّوا بالحق، مثل الحاخام الذي أحرق جواز سفره الإسرائيلي أمام عدسات التلفزيون في تظاهرات منددة بالهمجية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في غزة ٢٠٠٩، وكما فعلت أيضاً المحامية اليهودية فيليتسيا لانجر، التي لم تكتفِ بأن أخذت على عاتقها الدفاع عن الفلسطينيين في غزة والضفة، بل تخلّصت من جواز سفرها الإسرائيلي، بعد الانتفاضة الأولى، وقررت العيش في أوروبا بجنسية أخرى".

 قنبلة فعلا، ومنطق يلقى في وجوهنا دائما حين نتحدث عن نضال الاسرائيليين ضد الصهيونية والتفرقة العنصرية، كش ملك، فكيف يمكنك أن ترفض هذا المنطق، ليرحلوا لو كانوا ضد الصهيونية.
 السؤال هو: هل رحيل بضع مئات أو ألاف من الإسرائيليين المناهضين للصهيونية عن إسرائيل سيفيد القضية الفلسطينية؟ هل تظنون أنهم يعيشون في رفاهية النضال مثلا؟ ما الذي يدفع شباب حركة (ضد السور) الأناركية بإسرائيل للنضال ضد سور العزل العنصري حتى يزج بهم جميعا في السجن لمدد تصل إلى 12 عاما؟ ما الذي سيكسبه مناضل في السبعين من عمره مثل (ايلان شاليف) بتنظيم مسيرات ووقفات احتجاجية أسبوعية ضد جدار الفصل العنصري وسياسات الدولة الصهيونية ليتم إغراقه أسبوعيا بالغاز المسيل للدموع وتهديده بالاعتداء عليه جسديا؟ السؤال هو: أين علينا أن نقاوم ونحارب الصهيونية؟ في وجهها وعلى الأرض التي تنشط عليها وجها لوجه، أم في أمان غرفنا المكيفة خارج مجال سيطرتها وبعيدا عن أخطارها؟
 حتى لو رحل هؤلاء المناضلون ضد الصهيونية، فمن سيبقى؟ سيبقى الصهاينة، والمتطرفين والمؤمنين بحق اسرائيل في الأرض وبحقها في قتل الفلسطينيين، الذين سيكونون وقتها قد حرموا حتى من الحليف المتواضع والحماية الضئيلة التي يوفرها لهم ذلك النفر من الاسرائيليين المعادين للصهيونية، من سيكون لهم وقتها؟ المناضلين من الغرف المكيفة؟ ام صواريخ حماس التي لن تحرث حقلا ولن تجمع ثمرا؟
 نصل هنا لحماس، حماس التي لم يذكرها الأستاذ وائل قنديل في مقاله نهائيا، رغم أنه يمكن رؤية شبحها وتحسس بصمتها في كل سطر من مقاله، نعود هنا لماذا أنا لا أظن أن كون (عميره هاس) يهودية هو السبب الرئيس في طردها من جامعة بيرزيت الحقيقة المخفية بمهارة أن (عميره هاس) كما تنتقد بعنف السياسة الصهيونية العنصرية اسرائيل وهي المقيمة أغلب الوقت بالمناطق الفلسطينية، قد ارتكبت الخطيئة العظمى، وبصقت في البئر المقدسة متوضأة بالحليب، فتجرأت على كتابة مقال توجه فيه لحماس أسئلة من قبيل :

حسب الاستطلاع، فان 43 في المئة من سكان القطاع الذين تحت حكمكم يريدون الهجرة (20 في المئة يريدون الهجرة من الضفة الغربية).

 هل تتنكرون للمسؤولية عن هذا المعدل العالي من المهاجرين المحتملين؟ مكانتكم قبل الحرب كانت في أسفل الدرك. فهل هذا هو انتصاركم– في أن التأييد لكم ارتفع؟

 يمكن قراءة كامل المقال بكل أسئلته الحارقة على موقع مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ومقال أقدم ينتقد حماس كذلك
  ها هو الماء يصفو، لنرى ما يربض في القاع، عميره تجرأت على خدش قداسة وبهاء وروعة وسماوية النصر الحمساوي الغزاوي الأخير بأسئلتها المتزندقة، الأسئلة التي لم يمنعها من طرحها الإرهاب الفكري واللفظي الذي يتسلط علينا نحن من نتحدث لسان العربية فكان جزائها أن طردها نفر من الطلبة الإسلاميين التوجه من جامعة بير زيت، ضاربين بعرض الحائط كل تاريخها في التصدي للصهيونية العنصرية ومن مساندة الحق الفلسطيني، رافعين شعار: ما بعد مسائلة حماس ذنب. عرفت يا أستاذ وائل قنديل عميره هاس انطردت من بير زيت ليه؟
وأنا عرفت انت كاتب مقال بتدافع فيه ليه عن طردها
ياسر عبد القوي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق